ابودي اندكس البريد

الحاج سليمان

الخميس، 10 فبراير 2022

كتاب الوصايا في المحلي لابن حزم+ محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة السابعة والستون كتاب الوصايا (مسأله 1756 - 1763) ومحلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الثامنة والستون{ (مسأله 1767 - 1771)}ْ



كتاب الوصايا في المحلي لابن حزم

1751 - مسألة: الوصية فرض على كل من ترك مالا , لما روينا من طريق مالك عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة قال ابن عمر : ما مرت علي ليلة مذ سمعت رسول الله ﷺ قال ذلك إلا وعندي وصيتي.

وروينا إيجاب الوصية من طريق ابن المبارك عن عبد الله بن عون عن نافع ، عن ابن عمر من قوله.

ومن طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عبيد الله قال : كان طلحة , والزبير يشددان في الوصية

وهو قول عبد الله بن أبي أوفى , وطلحة بن مطرف , وطاووس , والشعبي , وغيرهم

وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا. .

وقال قوم : ليست فرضا , واحتجوا : بأن هذا الخبر رواه يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع ، عن ابن عمر عن النبي ﷺ فقال فيه له شيء يريد أن يوصي فيه. قالوا : فرد الأمر إلى إرادته وقالوا : إن رسول الله ﷺ لم يوص , ورووا : أن ابن عمر وهو راوي الخبر لم يوص , وأن حاطب بن أبي بلتعة بحضرة عمر لم يوص , وأن ابن عباس قال فيمن ترك ثمانمائة درهم : قليل , ليس فيها وصية , وأن عليا نهى من لم يترك إلا من السبعمائة إلى التسعمائة عن الوصية , وأن عائشة أم المؤمنين قالت فيمن ترك أربعمائة دينار : في هذا فضل عن ولده. وعن النخعي ليست الوصية فرضا.

وهو قول أبي حنيفة , ومالك , والشافعي.

قال أبو محمد : كل هذا لا حجة لهم في شيء منه : أما من زاد في روايته " يريد أن يوصي " فإن مالك بن أنس رواه كما أوردنا بغير هذا اللفظ , لكن بلفظ الإيجاب فقط. ورواه عبد الله بن نمير , وعبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع ، عن ابن عمر , كما رواه مالك. ورواه يونس بن يزيد عن نافع ، عن ابن عمر كما رواه مالك. ورواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي ﷺ كما رواه مالك , ويونس عن نافع وكلا الروايتين صحيح. فإذ هما صحيحان فقد وجبت الوصية برواية مالك , ووجب عليه أن يريدها ، ولا بد وبالله تعالى التوفيق.

وأما قولهم : إن رسول الله ﷺ لم يوص فقد كانت تقدمت وصيته بجميع ما ترك بقوله الثابت يقينا إنا معشر الأنبياء لا نورث , ما تركنا صدقة وهذه وصية صحيحة بلا شك , لأنه أوصى بصدقة كل ما يترك إذا مات , وإنما صح الأثر بنفي الوصية التي تدعيها الرافضة إلى علي فقط.

وأما ما رووا من أن ابن عمر لم يوص , فباطل ; لأن هذا إنما روي من طريق أشهل بن حاتم وهو ضعيف.

ومن طريق ابن لهيعة وهو لا شيء والثابت عنه ما رواه مالك عن نافع من إيجابه الوصية , وأنه لم يبت ليلته مذ سمع هذا الخبر من النبي ﷺ إلا ووصيته عنده مكتوبة.

وأما حديث حاطب وعمر : فمن رواية ابن لهيعة , وهي أسقط من أن يشتغل بها.

وأما خبر ابن عباس : ففيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف.

وأما حديث علي فإنه حد القليل بما بين السبعمائة إلى التسعمائة وهم لا يقولون بهذا وليس في حديث أم المؤمنين بيان بما ادعوا. ثم لو صح كل ذلك لما كانت فيه حجة ; لأنه قد عارضهم صحابة , كما أوردنا , وإذا وقع التنازع لم يكن قول طائفة أولى من قول أخرى , والفرض حينئذ هو الرجوع إلى القرآن والسنة , وكلاهما يوجب فرض الوصية , أما السنة : فكما أوردنا ,

وأما القرآن : فكما نورد إن شاء الله تعالى


1752 - مسألة: فمن مات ولم يوص : ففرض أن يتصدق عنه بما تيسر ، ولا بد ; لأن فرض الوصية واجب , كما أوردنا.

فصح أنه قد وجب أن يخرج شيء من ماله بعد الموت , فإذ ذلك كذلك فقد سقط ملكه عما وجب إخراجه من ماله , ولا حد في ذلك إلا ما رآه الورثة , أو الوصي مما لا إجحاف فيه على الورثة

وهو قول طائفة من السلف , وقد صح به أثر عن النبي ﷺ .

كما روينا من طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين : أن رجلا قال للنبي ﷺ إن أمي افتلتت نفسها وإنها لو تكلمت تصدقت , أفأتصدق عنها يا رسول الله فقال رسول الله ﷺ : نعم , فتصدق عنها فهذا إيجاب الصدقة عمن لم يوص , وأمره عليه الصلاة والسلام : فرض.

ومن طريق مسلم بن الحجاج ، حدثنا قتيبة ، حدثنا إسماعيل ، هو ابن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة : أن رجلا قال لرسول الله إن أبي مات ولم يوص , فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه قال عليه الصلاة والسلام : نعم. فهذا إيجاب للوصية , ولان يتصدق عمن لم يوص ، ولا بد ; لأن التكفير لا يكون إلا في ذنب , فبين عليه الصلاة والسلام : أن ترك الوصية يحتاج فاعله إلى أن يكفر عنه ذلك , بأن يتصدق عنه , وهذا ما لا يسع أحدا خلافه.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال : مات عبد الرحمن بن أبي بكر في منام له فأعتقت عنه عائشة أم المؤمنين تلادا من تلاده. فهذا يوضح أن الوصية عندها ، رضي الله عنها ، : فرض , وأن البر عمن لم يوص : فرض , إذ لولا ذلك ما أخرجت من ماله ما لم يؤمر بإخراجه.

ومن طريق عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج عن إبراهيم بن ميسرة أنه سمع طاووسا يقول : ما من مسلم يموت لم يوص إلا وأهله أحق , أو محقون أن يوصوا عنه قال ابن جريج فعرضت على ابن طاووس هذا وقلت : أكذلك فقال : نعم. والعجب أنهم يقولون : إن المرسل كالمسند. وقد

روينا عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج , وسفيان , ومعمر , كلهم : عن عبد الله بن طاووس عن أبيه : أن رجلا قال : يا رسول الله إن أمي توفيت ولم توص , أفأوصي عنها فقال : نعم.

ومن طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام " أن رسول الله ﷺ أعتق عن امرأة ماتت ولم توص وليدة وتصدق عنها بمتاع. ولا مرسل أحسن من هذين فخالفوهما , لرأيهما الفاسد


1753 - مسألة: وفرض على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين لا يرثون , إما لرق , وأما لكفر ,

وأما لأن هنالك من يحجبهم عن الميراث أو لأنهم لا يرثون فيوصي لهم بما طابت به نفسه , لا حد في ذلك , فإن لم يفعل أعطوا ، ولا بد ما رآه الورثة , أو الوصي. فإن كان والداه , أو أحدهما على الكفر , أو مملوكا ففرض عليه أيضا أن يوصي لهما , أو لأحدهما إن لم يكن الآخر كذلك , فإن لم يفعل أعطي , أو أعطيا من المال ، ولا بد , ثم يوصي فيما شاء بعد ذلك. فإن أوصى لثلاثة من أقاربه المذكورين أجزأه. والأقربون : هم من يجتمعون مع الميت في الأب الذي به يعرف إذا نسب , ومن جهة أمه كذلك أيضا : هو من يجتمع مع أمه في الأب الذي يعرف بالنسبة إليه ; لأن هؤلاء في اللغة أقارب , ولا يجوز أن يوقع على غير هؤلاء اسم أقارب بلا برهان.

برهان ذلك : قول الله تعالى : {الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم} فهذا فرض كما تسمع , فخرج منه الوالدان , والأقربون الوارثون , وبقي من لا يرث منهم على هذا الفرض. وإذ هو حق لهم واجب فقد وجب لهم من ماله جزء مفروض إخراجه لمن وجب له إن ظلم هو , ولم يأمر بإخراجه , وإذا أوصى لمن أمر به فلم ينه عن الوصية لغيرهم , فقد أدى ما أمر به وله أن يوصي بعد ذلك بما أحب. ومن أوصى لثلاثة أقربين فقد أوصى للأقربين وهذا قول طائفة من السلف :

روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر , وابن جريج , كلاهما عن عبد الله بن طاووس عن أبيه , قال : من أوصى لقوم وسماهم وترك ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت على ذوي قرابته , فإن لم يكن في أهله فقراء فلأهل الفقر من كانوا.

ومن طريق عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن قتادة عن الحسن , قال : إذا أوصى في غير أقاربه بالثلث : جاز لهم ثلث الثلث , ورد على قرابته : ثلثا الثلث.

ومن طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا أبو هلال عن قتادة عن سعيد بن المسيب ، أنه قال فيمن أوصى لثلاثة في غير قرابته , فقال : للقرابة الثلثان , ولمن أوصى له الثلث.

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا علي بن عبد الله ، هو ابن المديني ، حدثنا أبو معاوية الضرير ، حدثنا الأعمش عن مسروق : ، أنه قال : إن الله قسم بينكم فأحسن القسمة , وإنه من يرغب برأيه عن رأي الله عز وجل يضل , أوص لقرابتك ممن لا يرث , ثم دع المال على ما قسمه الله عليه.

ومن طريق إسماعيل ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن أبي ميمونة قال : سألت سالم بن يسار , والعلاء بن زياد عن قول الله عز وجل : {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} فدعوا بالمصحف فقرآ هذه الآية , فقالا : هي للقرابة.

ومن طريق إسماعيل ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي : حدثني أبي عن قتادة عن عبد الملك بن يعلى : أنه كان يقول فيمن يوصي لغير ذي القربى وله ذو قرابة ممن لا يرثه : أنه يجعل ثلثا الثلث لذوي القرابة وثلث الثلث لمن أوصى له به.

ومن طريق إسماعيل ، حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة في قول الله تعالى : {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} قال : نسخ منها الوالدان , وترك الأقارب ممن لا يرث.

ومن طريق إسماعيل ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة عن إياس بن معاوية قال : هي للقرابة يعني الوصية. وبوجوب الوصية للقرابة الذين لا يرثون يقول إسحاق , وأبو سليمان. وقال آخرون : ليس ذلك فرضا , بل له أن يوصي لغير ذي قرابته.

وهو قول الزهري , وسالم بن عبد الله بن عمر , وسليمان بن يسار , وعمرو بن دينار , ومحمد بن سيرين.

وهو قول أبي حنيفة , والأوزاعي , وسفيان الثوري , ومالك , والشافعي. واحتجوا بحديث الذي أوصى بعتق الستة الأعبد , ولا مال له غيرهم , فأقرع رسول الله ﷺ بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة فقالوا : هذه وصية لغير الأقارب.

قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه ; لأنه ليس فيه بيان أنه كان بعد نزول الآية المذكورة , ونحن لا نخالفهم في أن قبل نزولها كان للمرء أن يوصي لمن شاء , فهذا الخبر موافق للحال المنسوخة المرتفعة بيقين لا شك فيه قطعا فحكم هذا الخبر منسوخ بلا شك والآية رافعة لحكمه ناسخة له بلا شك.

ومن ادعى في الناسخ أنه عاد منسوخا , وفي المنسوخ أنه عاد ناسخا بغير نص ثابت وارد بذلك , فقد قال الباطل وقفا ما لا علم له به , وقال على الله تعالى ما لا يعلم وترك اليقين وحكم بالظنون , وهذا محرم بنص القرآن. ونحن نقول : إن الله تعالى قال : {تبيانا لكل شيء} فنحن نقطع ونبت ونشهد أنه لا سبيل إلى نسخ ناسخ , ورد حكم منسوخ دون بيان وارد لنا بذلك ,

ولو جاز غير هذا لكنا من ديننا في لبس , ولكنا لا ندري ما أمرنا الله تعالى به مما نهانا عنه , حاشا لله من هذا فظهر لنا بطلان تمويههم بهذا الخبر.

وأيضا : فليس فيه أن ذلك الرجل كان صليبة من الأنصار , وكان له قرابة لا يرثون , فإذ ليس ذلك فيه فممكن أن يكون حليفا أتيا لا قرابة له , فلا حجة لهم فيه , ولا يحل القطع بالظن , ولا ترك اليقين له.

وأعجب شيء احتجاجهم في هذا بأن عبد الرحمن بن عوف أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف درهم ولأهل بدر بمائة دينار , مائة دينار لكل واحد منهم ، وأن عمر أوصى لكل أم ولد له بأربعة آلاف درهم , أربعة آلاف درهم ، وأن عائشة أم المؤمنين أوصت لأل أبي يونس مولاها بمتاعها

قال أبو محمد : إن هذا لمن قبيح التدليس في الدين , وليت شعري : أي شيء في هذا مما يبيح أن لا يوصي لقرابته وهل في شيء من هذه الأخبار أنهم ، رضي الله عنهم ، لم يوصوا لقرابتهم

فإن قالوا : لم يذكر هذا فيه

قلنا : ولا ذكر فيه أنهم أوصوا بالثلث فأقل , ولعلهم أوصوا بأكثر من الثلث وهذه كلها فضائح , نعوذ بالله من مثلها ونسأله العصمة والتوفيق.


1754 - مسألة: ولا تحل الوصية لوارث أصلا , فإن أوصى لغير وارث فصار وارثا عند موت الموصي : بطلت الوصية له , فإن أوصى لوارث ثم صار غير وارث لم تجز له الوصية , لأنها إذ عقدها كانت باطلا , وسواء جوز الورثة ذلك أو لم يجوزوا ; لأن الكواف نقلت : أن رسول الله ﷺ قال : لا وصية لوارث ". فإذ قد منع الله تعالى من ذلك فليس للورثة أن يجيزوا ما أبطله الله تعالى على لسان رسول الله ﷺ إلا أن يبتدئوا هبة لذلك من عند أنفسهم , فهو مالهم وهذا قول المزني , وأبي سليمان.

فإن قيل : فقد رويتم من طريق ابن وهب عن عبد الله بن سمعان , وعبد الجليل بن حميد اليحصبي , ويحيى بن أيوب , وعمرو بن قيس سندل , قال عمر بن قيس : عن عطاء بن أبي رباح , وقال الآخرون : أنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين , ثم اتفق عطاء , وعبد الله : أن رسول الله ﷺ قال عام الفتح في خطبته : لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة زاد عطاء في حديثه : وإن أجازوا فليس لهم أن يرجعوا

قلنا : هذا مرسل , ثم هو من المرسل فضيحة ; لأن الأربعة الذين ذكرهم ابن وهب كلهم مطرح , وإن في اجتماعهم لاعجوبة. وعهدنا بالحنفيين , والمالكيين يقولون : إن المرسل كالمسند , والمسند كالمرسل , ولا يبالون بضعيف , فهلا أخذوا بهذا المرسل ولكن هذا مما تناقضوا فيه.

وقال أبو حنيفة : لهم أن يرجعوا بعد موته.

وقال مالك : لا رجوع لهم إلا أن يكونوا في كفالته , فلهم أن يرجعوا.


1755 - مسألة: ولا تجوز الوصية بأكثر من الثلث كان له وارث أو لم يكن له وارث , أجاز الورثة , أو لم يجيزوا : صح من طرق عن سعد بن أبي وقاص ، أنه قال : عادني رسول الله ﷺ فقلت : أوصي بمالي كله قال : لا , قلت : فالنصف قال : لا , قلت : فالثلث قال : نعم , والثلث كثير ". والخبر بأن رجلا من الأنصار أوصى عند موته بعتق ستة أعبد لا مال له غيرهم , فدعاهم رسول الله ﷺ فأقرع بينهم , فأعتق اثنين وأرق أربعة.

وقال مالك : إن زادت وصيته عن الثلث بيسير كالدرهمين , ونحو ذلك جازت الوصية في كل ذلك وهذا خلاف الخبر , وخطأ في تحديده ما ذكر دون ما زاد وما نقص , ولا تخلو تلك الزيادة قلت أو كثرت من أن تكون من حق الموصي أو حق الورثة , فإن كانت من حق الموصي فما زاد على ذلك فمن حقه أيضا , فينبغي أن ينفذ , وإن كانت من حق الورثة فلا يحل للموصي أن يحكم في مالهم.

وقالت طائفة : من لا وارث له فله أن يوصي بماله كله. صح ذلك ، عن ابن مسعود , وغيره :

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال : قال لي عبد الله بن مسعود : إنكم من أحرى حي بالكوفة أن يموت أحدكم فلا يدع عصبة ، ولا رحما فلا يمنعه إذا كان ذلك أن يضع ماله في الفقراء والمساكين.

ومن طريق سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق ، أنه قال فيمن ليس له مولى عتاقة : أنه يضع ماله حيث يشاء فإن لم يفعل فهو في بيت المال.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني ، عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال : إذا مات وليس عليه عقد لأحد ، ولا عصبة يرثون فإنه يوصي بماله كله حيث شاء.

ومن طريق حماد بن سلمة أن أبا العالية الرياحي أعتقته مولاته سائبة , فلما احتضر أوصى بماله كله لغيرها , فخاصمت في ذلك فقضي لها بالميراث

وهو قول الحسن البصري وأبي حنيفة , وأصحابه , وشريك القاضي , وإسحاق بن راهويه.

وقال مالك , وابن شبرمة , والأوزاعي , والحسن بن حي , والشافعي , وأحمد , وأبو سليمان : ليس له أن يوصي بأكثر من الثلث كان له وارث أو لم يكن.

قال أبو محمد : احتج المجيزون لذلك بقول رسول الله ﷺ لسعد : الثلث والثلث كثير إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس. قالوا : فإنما جعل رسول الله ﷺ العلة في أن لا يتجاوز الثلث في الوصية أن يغني الورثة فإذا لم تكن له ورثة فقد ارتفعت العلة فله أن يوصي بما شاء وقالوا : هو قول ابن مسعود ، ولا يعرف له من الصحابة مخالف وقالوا : فلما كان مال من لا وارث له إنما يستحقه المسلمون ; لأنه مال لا يعرف له رب , فإذ هو هكذا ولم يكن فيه لأحد حق فلصاحبه أن يضعه حيث شاء وقالوا : كما للإمام أن يضعه بعد موته حيث شاء فكذلك لصاحبه ما نعلم لهم شيئا يشغبون به غير هذا وكله لا حجة لهم فيه أما قولهم : إن رسول الله ﷺ جعل العلة في أن لا يتجاوز الثلث غنى الورثة فباطل من قولهم ما قال عليه الصلاة والسلام قط إن أمري بأن لا يتجاوز الثلث في الوصية إنما هو لغنى الورثة إنما قال عليه الصلاة والسلام : الثلث والثلث كثير فهذه قضية قائمة بنفسها , وحكم فصل غير متعلق بما بعده ثم ابتدأ عليه الصلاة والسلام قضية أخرى مبتدأة قائمة بنفسها , غير متعلقة بما قبلها , فقال : إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس.

برهان صحة هذا القول : أنه لا يحل أن ينسب إلى رسول الله ﷺ أنه علل علة فاسدة منكرة حاش له من ذلك. ونحن نجد من له عشرة من الورثة فقراء ولم يترك إلا درهما واحدا فإن له بإقرارهم أن يوصي بثلثه , ولا يترك لهم ما يغنيهم من جوع غداء واحدا , ولا عشاء واحدا. ونحن نجد من لا يترك وارثا إلا واحدا غنيا موسرا مكثرا ، ولا يخلف إلا درهما واحدا , فليس له عندهم ، ولا عندنا أن يوصي إلا بثلثه , وليس له غنى فيما يدع له ولو كانت العلة ما ذكروا لكان من ترك ابنا واحدا , وترك ثلاثمائة ألف دينار يكون له أن يوصي بالنصف ; لأن له فيما يبقى غنى الأبد , فلو كانت العلة غنى الورثة لروعي ما يغنيهم على حسب كثرة المال وقلته وهذا باطل عند الجميع.

فصح أن الذي قالوا باطل , وأن الشريعة في ذلك إنما هو تحديد الثلث فما دونه فقط قل المال أو كثر , كان فيه للورثة غنى أو لم يكن.

وأما قولهم : إنه قول ابن مسعود ، ولا يعرف له من الصحابة مخالف ; فلعلهم يقرعون بهذه العلة المالكيين , والشافعيين , الذين يحتجون عليهم بمثلها , ويوردونها عليهم في غير ما وضع ويتقاذفون لها أبدا.

وأما نحن فلا نرى حجة إلا في نص قرآن أو سنة عن رسول الله ﷺ وبالله تعالى التوفيق.

وأما قولهم : إنما يأخذ المسلمون مال من لا وارث له ; لأنه لا رب له , فإذ لا يستحقه بموته أحد فصاحبه أحق به ; فما زادونا على تكرار قولهم , وأن جعلوا دعواهم حجة لدعواهم , وفي هذا نازعناهم , وليس كما قالوا , لكن نحن وأموالنا لله تعالى ، ولا يحل لأحد أن يتصرف في نفسه , ولا في مال إلا بما أذن الله له فيه مالكه , ومالك ماله عز وجل فقط. ولولا أن الله تعالى أطلق أيدينا على أموالنا فيما شاء لما جاز لنا فيها حكم , كما لا يجوز لنا فيها حكم , حيث لم يبح الله تعالى لنا التصرف فيها. ولولا أن الله تعالى أذن لنا في الوصية بعد الموت لما جاز لنا أن نوصي بشيء , فأباح الله تعالى الثلث فما دونه فكان ذلك مباحا ولم يبح أكثر فهو غير مباح.

وأما قولهم كما للإمام أن يضعه حيث يشاء فصاحبه أولى فكلام بارد , وقياس فاسد , وهم يقولون فيمن ترك زوجة ولم يترك ذا رحم ، ولا مولى ، ولا عاصبا : أن الربع للزوجة , وأن الثلاثة الأرباع يضعها الإمام حيث يشاء وأنه ليس له أن يوصي بأكثر من الثلث. فهلا قاسوا هاهنا كما للإمام أن يضع الثلاثة الأرباع حيث يشاء , فكذلك صاحب المال ولكن هذا مقدار قياسهم فتأملوه.

وأما إذا أذن الورثة في أكثر من الثلث ; فإن عطاء , والحسن , والزهري , وربيعة , وحماد بن أبي سليمان , وعبد الملك بن يعلى , ومحمد بن أبي ليلى , والأوزاعي قالوا : إذا أذن الورثة فلا رجوع لهم , ولم يخصوا إذنا في صحة من أذن في مرض. وقال شريح , وطاووس , والحكم بن عتيبة , والنخعي والشعبي , وسفيان الثوري , والحسن بن حي , وأبو حنيفة , والشافعي , وأبو ثور , وأحمد بن حنبل : إذا أذنوا له في مرضه أو عند موته أو في صحته : بأن يوصي بأكثر من الثلث لم يلزمهم , ولهم الرجوع إذا مات.

وقالت طائفة : لا يجوز ذلك أصلا

كما روينا من طريق وكيع عن المسعودي هو أبو عميس عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن أبي عون هو محمد بن عبيد الله الثقفي عن القاسم بن عبد الرحمن أن رجلا استأمر ورثته في أن يوصي بأكثر من الثلث فأذنوا له , فلما مات رجعوا , فسئل ابن مسعود ; فقال لهم ذلك النكرة لا يجوز.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن داود عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الضرار في الوصية من الكبائر , ثم قرأ ابن عباس , تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أشعث بن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة مسندا أن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى جار في وصيته , فيختم له بشر عمله فيدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته , فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم تلك حدود الله إلى قوله عذاب مهين

قال أبو محمد : إنما أوردناه لقول أبي هريرة فقط.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال : يرد عن حيف الناحل الحي ما يرد من حيف الناحل في وصيته , فهؤلاء ثلاثة من الصحابة لا يعرف لهم من الصحابة ، رضي الله عنهم ، مخالف أبطلوا ما خالف السنة في الوصية , ولم يجيزوه , ولم يشترطوا رضا الورثة

وهو قول المزني , وأبي سليمان , وأصحابنا.

وقال مالك : إن استأذنهم في صحته فأذنوا له فلهم الرجوع إذا مات , وإن استأذنهم في مرض موته فأذنوا له فلا رجوع لهم , إلا أن يكونوا في عياله ونفقته فلهم الرجوع.

قال أبو محمد : أما قول مالك : فلا نعلمه عن أحد قبله , ولا نعلم له حجة أصلا ، ولا يخلو المال كله أو بعضه من أن يكون لمالكه في صحته وفي مرضه , أو يكون كله أو بعضه لورثته في صحته ومرضه فإن كان المال لصاحبه في صحته ومرضه فلا إذن للورثة فيه ومن المحال الباطل جواز إذنهم فيما لا حق لهم فيه , وفيما هو حرام عليهم , حتى لو سرقوا منه دينارا لوجب القطع على من سرقه منهم وقد يموت أحدهم قبل موت المريض فيرثه , ولا سبيل إلى أن يقول أحد : إن شيئا من مال المريض لوارثه قبل موت الموروث لما ذكرنا , فبطل هذا القول بيقين.

وأما من أجاز إذنهم فإنهم يحتجون بقول الله عز وجل : {أوفوا بالعقود} وهذا عقد قد التزموه فعليهم الوفاء به.

قال أبو محمد : ولقد كان يلزم من أجاز العتق قبل الملك , والطلاق قبل النكاح : أن يقول بإلزامهم هذا الإذن , ولكنهم تناقضوا في ذلك.

قال علي : وأما نحن فنقول : كل عقد لم يأت به قرآن ، ولا سنة بالأمر به أو بإباحته فهو باطل , وإنما أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود التي أمر بها نصا أو أباحها نصا.

وأما من عقد معصية فما أذن الله تعالى قط في الوفاء بها , بل حرم عليه ذلك , كمن عقد على نفسه أن يزني , أو يشرب الخمر والزيادة على الثلث معصية منهي عنها , فالعقد في الإذن من ذلك فيما لم يأذن الله تعالى فيه باطل محرم فسقط هذا القول.

وأما من أجاز للورثة أن يجيزوا ذلك بعد الموت فخطأ ظاهر ; لأن المال حينئذ صار للورثة , فحكم الموصي فيما استحقوه بالميراث باطل , لقول رسول الله ﷺ : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام فليس لهم إجازة الباطل , لكن إن أحبوا أن ينفذوا ذلك من مالهم باختيارهم فلهم ذلك ولهم حينئذ أن يجعلوا الأجر لمن شاءوا وبالله تعالى التوفيق. وهذا مما خالفوا فيه ثلاثة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف.
 ================

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة السابعة والستون 
كتاب الوصايا (مسأله 1756 - 1763) 


كتاب الوصايا

1756 - مسألة: ومن أوصى بأكثر من ثلث ماله , ثم حدث له مال لم يجز من وصيته إلا مقدار ثلث ما كان له حين الوصية ; لأن ما زاد على ذلك عقده عقدا حراما لا يحل كما ذكرنا وما كان باطلا فلا يجوز أن يصح في ثان , إذ لم يعقد ، ولا محال أكثر من عقد لم يصح حكمه إذ عقد , ثم يصح حكمه إذ لم يعقد. فلو أوصى بثلثه فأقل , ثم نقص ماله حتى لم يحتمل وصيته , ثم زاد لم ينفذ من وصيته إلا مقدار ثلث ما رجع إليه من ماله ; لأن وصيته بما زاد على ثلث ما رجع إليه ماله قد بطلت , وما بطل فلا سبيل إلى عودته دون أن تبتدئ إعادته بعقد آخر , إذ قد بطل العقد الأول. فلو أوصى بأكثر من ثلث ماله عامدا وله مال لم يعلم به لم ينفذ إلا في مقدار ثلث ما علم فقط ; لأنه عقد ما زاد على ذلك عقد معصية , فهو باطل. فلو قال في كل ما ذكرنا : إن رزقني الله مالا فإني أوصي منه بكذا , أو قال أوصي إذا مات أن يخرج عنه ثلث ما يتخلف , أو جزءا مشاعا أقل من الثلث أو قال : فيخرج مما يتخلف كذا وكذا : فهذا جائز وتنفذ وصيته من كل ما كسبه قبل موته وبعد تلك الوصية , بأي وجه كسبه , أو بأي وجه صحيح ملكه , بميراث أو غيره , علم به أو لم يعلم ; لأنه عقد عقدا صحيحا فيما يتخلفه , ولم يخص بوصيته ما يملك حين الوصية , وقد عقد وصيته عقدا صحيحا لم يتعد فيه ما أمر الله عز وجل , فهي وصية صحيحة كما ذكرنا. فلو أوصى بثلث ماله وماله يحتمله وله مال لم يعلم به , ثم نقص ماله الذي علم أو لم ينقص , فوصيته نافذة فيما علم وفيما لم يعلم ; لأنه عقدها عقدا صحيحا تاما من حين عقده إلى حين مات , ولا تدخل ديته إن قتل خطأ فيما تنفذ منه وصاياه ; لأنها لم تجب له قط , ولا ملكها قط , وإنما وجبت بعد موته لورثته فقط

وهو قول طائفة من السلف :

كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة , وزياد الأعلم , قال الحجاج : عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي بن أبي طالب , وقال زياد الأعلم : عن الحسن , ثم اتفق علي , والحسن فيمن أوصى بثلث ماله , ثم قتل خطأ : أنه يدخل ثلث ديته في ثلثه , وإن كان استفاد مالا ولم يكن شعر به : دخل ثلثه في وصيته

وهو قول إبراهيم النخعي , والأوزاعي , وأبي حنيفة , وأصحابه وبه قال أبو ثور , وأحمد بن حنبل , وإسحاق , حاش الدية فلا تدخل وصيته فيها. وقال آخرون : لا تدخل وصيته إلا فيما علم من ماله , لا فيما لم يعلم به روي ذلك عن أبان بن عثمان , وعمر بن عبد العزيز ومكحول , ويحيى بن سعيد الأنصاري , وربيعة.

وقال مالك كذلك , إلا فيما رجاه ولم يعلم قدره , كربح مال ينتظره , أو غلة لا يدري مبلغها , فإن وصاياه تدخل فيها وما نعلم هذا التقسيم عن أحد قبله , ولا نعلم له حجة أصلا

وبرهان صحة قولنا : قول الله تعالى في آية المواريث : {من بعد وصية يوصي بها أو دين} فأوجب عز وجل الميراث في كل ما علم به من ماله أو لم يعلم , وأوجب الوصية والدين مقدمين كذلك على المواريث , فالمفرق بين ذلك مبطل بلا دليل , وإنما يبطل من الوصية ما قصد به ما نهى الله تعالى عنه فقط , وما نعلم لمخالفينا حجة أصلا وقد خالفوا في ذلك صاحبا لا يعرف له من الصحابة مخالف.

فإن قالوا : إن الرواية في ذلك عن علي لا تصح ; لأن فيها الحجاج , والحارث

قلنا : والرواية عن أبان بن عثمان لا تصح ; لأنها عن عبد الحكم بن عبد الله وهو ضعيف ، ولا تصح عن عمر بن عبد العزيز ; لأنها عن يزيد بن عياض وهو مذكور بالكذب ، ولا تصح عن مكحول ; لأنها عن مسلمة بن علي وهو ضعيف ، ولا عن ربيعة , ويحيى بن سعيد ; لأنها عمن لم يسم وبالله تعالى التوفيق.


1757- مسألة: ولا تجوز الوصية لميت ; لأن الميت لا يملك شيئا , فمن أوصى لحي ثم مات بطلت الوصية له. فإن أوصى لحي ولميت جاز نصفها للحي وبطل نصف الميت.

وكذلك لو أوصى لحيين ثم مات أحدهما جاز للحي في النصف وبطلت حصة الميت

وهو قول علي بن أبي طالب وغيره.

وقال مالك : إن كان علم الموصي بأن الذي أوصى له ميت فهو لورثة الميت , فإن كان لم يعلم فهو لورثة الموصي.

قال علي : هذا تقسيم فاسد بلا برهان .

فإن قيل : إذا أوصى له وهو ميت فإنما أراد أن يكون لورثته

قلنا : هذا باطل , ولو أراد الوصية لورثته لقدر على أن يقول ذلك , فتقويله ما لم يقل حكم بالظن , والحكم بالظن لا يحل.


1758 - مسألة: والوصية للذمي جائزة , ولا نعلم في هذا خلافا , وقد قال رسول الله ﷺ " في كل ذي كبد رطبة أجر.


1759 - مسألة: ولا تجوز الوصية بما لا ينفذ لمن أوصى له بها , أو فيما أوصى به ساعة موت الموصي : مثل أن يوصي بنفقة على إنسان مدة مسماة , أو بعتق عبد بعد أن يخدم فلانا مدة مسماة قلت أو كثرت , أو يحمل بستانه في المستأنف , أو بغلة داره , وما أشبه ذلك : فهذا كله باطل لا ينفذ منه شيء , وهذا مكان اختلف الناس فيه : فروينا من طريق ابن وهب عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب ، عن ابن شهاب : ، أنه قال فيمن أوصى لأخر بغنم حياته أنه جائز , ويكون للموصي له من الغنم ألبانها وأصوافها وأولادها مدة حياته ; لأنه يعمل فيها ويقوم عليها , وليس له أن يأكل منها إلا بقدر ما كان ربها يأكل من عروضها ,

وكذلك يصيب من أولادها ما يصيب من أمهاتها.

قال أبو محمد : وهذا قول ظاهر الخطأ , أول ذلك : أن جعل له أصوافها وألبانها وأولادها مدة حياته ; لأنه يقوم عليها فهذه إجارة إذا , والإجارة بمجهول على مدة مجهولة باطل لا يحل , وأكل مال بالباطل , وشرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل ثم لم يجعل له أن يأكل من أعيان الغنم إلا ما كان يأكل الموصي منها , وهذا في غاية البطلان ; لأنه مجهول , وقد كان يمكن أن يأكل منها الكثير في العام ويمكن أن لا يأكل منها شيئا ويمكن أن يأكل منها قليلا فهذا أيضا أكل مال بالباطل , وقد كان للموصي أن يبيعها ; ويهبها , ويبيع منها , فهلا جعل للموصى له أن يبيع منها , وأن يهب كما كان للموصي , وإلا فما الفرق بين الأستهلاك بالأكل وبين الأستهلاك بالبيع أو الهبة

قال علي : ويكفي من هذا أن الموصى له لا يخلو من أن يكون ملك الغنم التي أوصى له بها مدة حياته , أو لم يملكها , ولا سبيل إلى قسم ثالث : فإن كان ملكها فله أن يبيعها كلها أو ما شاء منها وأن يهبها كذلك , وأن يأكلها كذلك. وإن كان لم يملكها لم يحل له أكل شيء منها , ولا من أصوافها ، ولا من ألبانها وأولادها ; لأنها مال غيره وقد قال رسول الله ﷺ : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام. ولا شك بنص القرآن في أن ما يخلفه الميت مما لم يوصى به قطعا فهو ملك للورثة , وإذ هو ملكهم فلا يحل للموصي حكم في مال الورثة. وبالله تعالى التوفيق.

وروينا عن عبد الرزاق عن معمر فيمن أوصى لزيد بثلث ماله ولأخر بنفقته حتى يموت : أنه يوقف للموصى له بالنفقة نصف الثلث.

قال أبو محمد : وهذا خطأ لأنه قد لا يعيش إلا يوما أو أقل , وقد يعيش عشرات أعوام فهذا مجهول , فهو باطل لا يعرف بماذا أوصى له.

وروينا عن سفيان الثوري فيمن أوصى أن يكاتب عبده بألف درهم وقيمته ألف درهم أو أكثر فلم يوص له بشيء , فإن أوصى أن يكاتب بأقل من قيمته فإن ما نقص من قيمته وصية له.

قال علي : وهذا خطأ والوصية بالمكاتبة جملة باطل ; لأن العبد خارج بموت الموصي إلى ملك الورثة فوصيته بمكاتبة عبد الورثة باطل ; لأنه مال الورثة. وقال الأوزاعي فيمن له ثلاثة أولاد وعبد فأوصى بأن يخدم ذلك العبد واحدا من أولاده سماه وعينه سنة ثم العبد حر : فإنه يخدم أولاده كلهم سنة ثم هو حر.

قال علي : وهذا خطأ ; لأنه حكم بغير ما أوصى به الموصي , فلا هو أنفذ وصيته ، ولا هو أبطلها , ولا يخلو من أن تكون صحيحة أو فاسدة , فإن كانت صحيحة فقد أبطل الصحيح , وإن كانت فاسدة فقد أجاز الفاسد. فإن قال : جمعت فسادا وصحة فأجزت الصحيح وأبطلت الفاسد

قلنا له : بل أجزت الفاسد وهو عتقه ملك بنيه وعبدهم وقد قال رسول الله ﷺ : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ". وقال الليث بن سعد بجواز الوصية بكل ما ذكرنا : أنه لا يجوز وقال فيمن أوصى لأنسان بثلثه , ولأخر بالنفقة ما عاش : أن الثلث بينهما بنصفين.

قال أبو محمد : وهذا خطأ ; لأنه غير ما أوصى به الموصي. ولا يجوز أن يحال ما أوصى به الموصي إلى غير ما أوصى به إلا بنص , ولا نص بما قال الليث. وقال عثمان البتي فيمن أوصى لزيد بنفقة عشرة دراهم كل شهر , ولعمرو بمائة درهم كل شهر فإنهما يتحاصان , ويضرب بمائة للموصى له بمائة , ويضرب بعشرة للموصى له بعشرة فيعطى حصته , ويعطى الباقي الذي أوصى له بالمائة , فإذا كان في الشهر الثاني ضرب الموصى له بعشرة بعشرين , وضرب صاحب المائة بمائة , وحسب صاحب العشرة بعشرة , وحسب له ما أخذ في الشهر الأول ,

وكذلك يقسم بينهما كل شهر.

قال أبو محمد : وهذا كلام لا يعقل ، ولا يدرى منبعثه.

وقال أبو حنيفة فيمن أوصى بخدمة عبده فلانا سنة ثم يعتق ، ولا مال له غيره : فإنه يخدم الموصى له يوما والورثة يومين , فإذا مضت له ثلاث سنين هكذا أعتق.

قال أبو محمد : نرى أنه في قول أنه يسعى في ثلثي قيمته للورثة.

قال علي : وقوله هذا فاسد. قال : ومن أوصى لأخر بسكنى داره ، ولا مال له غيرها سكن الموصى له بثلث الدار وسكن الورثة بثلثيها , وليس له أن يؤاجرها , ولا أن يؤاجر العبد الموصى له بخدمته , ولا أن يخرجه عن ذلك البلد إلا أن يكون الموصى له في بلد آخر , فله أن يخرجه إلى بلده.

قال علي : وهذا في غاية الفساد ; لأنه خالف عهد الميت في الوصية بسكنى جميع الدار , فلم يجعل له إلا سكنى ثلثها فقط , وقيمة سكنى ثلث الدار أقل من ثلث الميت بلا شك ; لأن جميع الدار مال تخلفه , فإذ هذه الوصية عنده جائزة , فهلا أنفذ له جميعها لأنها أقل من الثلث بلا شك.

وأيضا : فلا فرق بين كون الموصى له في بلد آخر وبين رحيله إلى بلد آخر , فإن كان العبد للموصي فللموصى له التصرف فيما أوصى له به حيث شاء , وإن كان ليس هو للموصي فالوصية بخدمته باطل. قال أبو حنيفة : ومن أوصى بغلة بستانه لزيد وفيه غلة ظاهرة إذ مات الموصي فليس للموصى له إلا تلك الغلة بعينها فقط , فلو لم يكن فيها غلة إذ مات فله ثلثها أبدا ما عاش.

قال أبو محمد : وهذا باطل أيضا , وفرق بلا

برهان , وهلا جعلوا له أول غلة تظهر بعد موت الموصي فقط , ثم لا شيء له في المستأنف كما قالوا في الغلة الظاهرة.

فإن قالوا : حملنا ذلك على العموم

قلنا لهم : وهلا حملتم وصيته أيضا على العموم إذا مات وفي البستان غلة ولو أن عاكسا عكس قولهم فأعطاه غلة البستان أبدا إذا مات وفيه غلة ظاهرة , ولم يعطه إذا مات ، ولا غلة في البستان إلا أول غلة تظهر : ما كان بين الحكمين بالباطل فرق. قال أبو حنيفة : وإنما تجوز الوصية بسكنى الدار وخدمة العبد , إذا أوصى به لأنسان بعينه قال : فلو أوصى بذلك للفقراء , والمساكين : لم يجز ذلك.

قال علي : ليس في المصيبة أكثر من هذا أن يكون إن أوصى لكافر أو لفاسق : جاز , فإن أوصى لفقراء المسلمين لم يجز أف لهذا القول قال أبو حنيفة : ولو أوصى لزيد بالنفقة ما عاش فإن جوز الورثة ذلك وقف له جميع المال كله , وتحاص هو وسائر الموصى لهم , إلا أن يعين الموصى لهم أن ينفق عليه من الثلث , فيوقف له الثلث خاصة , ويحاص أيضا الموصى لهم. وقال أبو يوسف : يجعل له عمر مائة سنة , ثم يوقف له الثلث خاصة ما ينفق عليه فيما بقي له من مائة سنة , فإن عاش أكثر أعطي النفقة أيضا حتى يفرغ الثلث.

قال أبو محمد : وهذه وساوس لا تعقل , والأسعار تختلف اختلافا متباينا , فكيف يقدر على هذا الجنون. وأجاز أبو حنيفة أن يوصي لأنسان بخدمة عبد ما عاش , ولأخر برقبة ذلك العبد , ورأى النفقة , والكسوة على الذي أوصى له بالخدمة , ورأى ما وهب للعبد للذي له الرقبة.

قال علي : وهذا باطل أيضا , ومن أين أستحل أن يلزم الموصى له بالخدمة نفقة غير عبده وكسوته إن هذا لعجب. وقال محمد بن الحسين : من أوصى بعتق عبده بعد موته بشهر فمات ومضى شهر لم يعتق إلا بتجديد عتق لأنه لو جنى جناية قبل تمام الشهر كان للورثة أن يسلموه بجنايته.

قال علي : فإذ ملكه للورثة كما قال , فكيف يعتق عبدهم بغير رضاهم , وهذا كله لا خفاء بفساده.

وقال مالك : من أوصى بخدمة عبده , أو بغلة بستانه , أو بسكنى داره , أو بنفقته على إنسان فكل ذلك جائز , فلو أوصى بخدمة عبده ما عاش لزيد , وبرقبته لعمرو فهو جائز. قال : فلو أن الموصى له بخدمة العبد وهب لذلك العبد ما أوصى له به من خدمته , أو باعها منه : عتق العبد ساعتئذ , ولا مدخل للورثة في ذلك.

قال علي : وهذا خلاف أقواله المعهودة من أن الوصية إذا لم يقبلها الموصى له بها رجعت ميراثا وهذا تناقض من قوله. وهو أيضا خلاف ما أوصى به الموصي. وأطرف شيء قوله فإن أعتقه الورثة لم ينفذ عتقهم , فأبطل عتق مالكيه بإقراره , وأجاز عتقه بخلاف وصية الموصي بعتقه.

وقال مالك : للموصى له بخدمة العبد أو بسكنى الدار : أن يؤاجرها , قال : إلا أن يوصي بأن يخدم ابنه ما عاش , ثم هو حر فهذا لا يؤاجر ; لأنه قصد به قصد الحضانة

قال أبو محمد : وهذا تناقض وخلاف ما أوصى به الموصي من السكنى والخدمة. قال مالك : ولو أوصى له بخدمة عبده سنة وليس للموصي مال غيره , فالورثة بالخيار بين أن يسلموا له خدمة العبد سنة ثم يرجع إليهم , وبين أن يعطوه ثلث جميع ما تركه الموصي ملكا

قال علي : وهذا خلاف الوصية جهارا.

وقال مالك فيمن أوصي له بالنفقة ما عاش : حسب له عمر سبعين سنة , ووقف له ما ينفق عليه فيما بقي من عمره إلى تمام السبعين , فما فضل رد على سائر الوصايا أو على الورثة.

قال علي : وهذا خطأ فاحش : أول ذلك تخصيصه سبعين سنة. ثم قول : يوقف له ما ينفق عليه ما بقي من عمره إلى تمام سبعين , والأسعار تختلف اختلافا فاحشا. ثم النفقة أيضا شيء غير محدود ; لأنه يدخل في النفقة ما يستغنى عنه كالتوابل واللحم وغير ذلك. وكل هذه الأقوال فليس شيء منها عن قرآن ، ولا سنة , ولا رواية سقيمة , ولا قول أحد [ نعلمه ] قبلهم , ولا قياس ، ولا معقول , بل هي مخالفة لكل ذلك.

وقال الشافعي : تجوز الوصية بخدمة العبد , وبسكنى الدار , وبغلة البستان والأرض , وأجاز للموصى له بسكنى الدار أن يؤاجرها وهذا تبديل للوصية. وأجاز الوصية بخدمة عبد لزيد وبرقبته لعمرو. وقال فيمن أوصى لأنسان بخدمة عبده سنة ، ولا مال للموصي غير ذلك العبد : أنه يجوز من ذلك ما حمل الثلث فقط. وقال أبو ثور : بجواز كل ذلك , وأن للورثة بيع العبد , ويشترط على المشتري تمام الخدمة للموصي بها , وأن يخرجه الموصى له بخدمته إلى أي بلد شاء.

قال أبو محمد : فاتفق من ذكرنا على جواز الوصية بخدمة العبد , وغلة البستان , وسكنى الدار ووافقهم على ذلك سوار بن عبد الله , وعبيد الله بن الحسن العنبريان , وإسحاق بن راهويه. وقال ابن أبي ليلى , وأبو سليمان , وجميع أصحابنا : لا يجوز شيء من ذلك

قال علي : احتج من أجاز ذلك بأنه كما تجوز الإجارة في منافع كل ذلك فكذلك تجوز الوصية بمنافع كل ذلك وما نعلم لهم شيئا غير هذا , وهو قياس والقياس باطل , ثم هو أيضا حجة عليهم لا لهم ; لأن الإجارة إنما تجوز فيما ملك المؤاجر رقبته , لا فيما لا ملك له فيه , والدار , والعبد , والبستان متنقلة بموت المالك لها إلى ما أوصى فيه بكل ذلك , أو إلى ملك الورثة , لا بد من أحدهما. وهذا بإقرارهم منتقل إلى ملك الورثة ووصية المرء في ملك غيره باطل , لا تحل كما أن إجارته لملك غيره لا تحل , والإجارة إنما هي منافع حدثت في ملكه , والوصية هي في منافع تحدث في ملك غير الموصي , وهذا حرام.

قال أبو محمد : قال الله تعالى : {من بعد وصية يوصي بها أو دين} فلم يجعل عز وجل للورثة إلا ما فضل عن الدين والوصية. فصح بنص القرآن أن ما أوصى به الموصي فلم يقع قط عليه ملك الورثة لكن خرج بموت الموصي إلى الوصية بنص القرآن. وصح بنص القرآن أن ما ملكه الورثة فهو خارج عن الوصية , فثبت أنه لا وصية فيه للموصي أصلا.

وقال رسول الله ﷺ : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام. فصح يقينا أن ما ملكه الورثة فقط سقط عنه ملك الميت , وإذ لا ملك له عليه فوصاياه فيه بعتق أو بنفقة أو بغير ذلك باطل , مردود مفسوخ وبالله تعالى التوفيق.


1760 - مسألة: ومن أوصى بمتاع بيته لأم ولده , أو لغيرها , فإنما للموصى له بذلك ما المعهود أن يضاف إلى البيت من الفرش المبسوطة فيه , والمعلق , والفراش الذي يقعد عليه , والذي ينام عليه وبما يتغطى فيه , ويتوسده , والآنية التي يشرب فيها ويؤكل , والمائدة , والمسامير المسمرة فيه , والمناديل , والطست , والإبريق. ولا يدخل في ذلك ما لا يضاف إلى البيت من ثياب اللباس , والمرفوعة , والتخوت , ووطاء لا يستعمل في البيت , ودراهم ودنانير , وحلي , وخزانة , وغير ذلك ; لأنه إنما يستعمل في ذلك ما يفهم من لغة الموصي. وبالله تعالى نتأيد.


1761 - مسألة: ولا تحل وصية في معصية لا من مسلم ، ولا من كافر كمن أوصى ببنيان كنيسة أو نحو ذلك , لقول الله تعالى : {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.

وقوله تعالى : {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} فمن تركهم ينفذون خلاف حكم الإسلام وهو قادر على منعهم فقد أعانهم على الإثم والعدوان.


1762 - مسألة: ووصية المرأة البكر ذات الأب , وذات الزوج البالغة , والثيب ذات الزوج : جائزة , كوصية الرجل , أحب الأب أو الزوج أو كرها. ولا معنى لأذنهما في ذلك لأن أمر الله تعالى بالوصية جاء عاما للمؤمنين , وهو يعم الرجال والنساء , ولم يخص عز وجل فيه أحدا من أحد وما كان ربك نسيا وما نعلم في ذلك خلافا من أحد وبالله تعالى التوفيق.


1763 - مسألة: ووصية المرء لعبده بمال مسمى أو بجزء من ماله : جائز , وكذلك لعبد وارثه , ولا يعتق عبد الموصي بذلك , ولوارث الموصي أن ينتزع من عبده نفسه ما أوصى له فلو أوصى لعبده برقبته , فالوصية باطل , ولا يعتق العبد بذلك ، ولا شيء له فلو أوصى لعبده بثلث ماله أعطي ثلث سائر ما يبقى من مال الموصي بعد إخراج العبد عن ماله , ولا يعتق بذلك. وقد اختلف الناس في هذا : فقال الحسن , وابن سيرين , وأبو حنيفة , ومالك , والشافعي : من أوصى لعبده بثلث ماله أعتق العبد من الثلث , فإن فضل من الثلث شيء أعطيه أيضا.

وكذلك إن أوصى له بجزء مشاع في ماله أقل من الثلث فيعتق , ويعطى ما فضل من ذلك الجزء. ثم اختلفوا إن لم يحمله الثلث فقال الحسن , وابن سيرين , وأبو حنيفة : يعتق منه ما حمل الثلث , ثم يعتق باقيه , ويستسعي في قيمة ما فضل منه عن الثلث.

وقال مالك , والشافعي : يعتق منه ما يحمل الثلث ويبقى سائره رقيقا.

وكذلك أيضا عند من ذكرنا إن أوصى له برقبته أو بنفسه : فلو أوصى له بشيء معين من ماله , أو بمكيل , أو موزون , أو معدود , فإن أبا حنيفة , وسفيان الثوري , وإسحاق بن راهويه قالوا : الوصية باطل ويشبه أن يكون هذا قول الشافعي.

وقال مالك : الوصية نافذة , وليس للوارث أن ينتزع ذلك. وقال الأوزاعي : الوصية للعبد باطلة بكل حال. وقال أبو ثور , وأبو سليمان كما قلنا.

قال أبو محمد : أما من جوز الوصية للمملوك برقبته فباطل ,

وكذلك من أجاز أن يوهب للمملوك نفسه , أو رقبته , أو يتصدق عليه بها , أو أن يملكها , وأوجب له العتق بذلك.

برهان ذلك : أنه لم يأت نص قرآن ، ولا سنة قط بأن المرء يملك رق نفسه , فإذ لم يأت بذلك قرآن ، ولا سنة , وهو في العقل ممنوع ; لأن الملك يقتضي مالكا ومملوكا وقد جاءت النصوص بإباحة فرج المملوكة , وبحسن الوصاة بما ملكنا

فصح أن المملوك غير المالك بيقين.

وأيضا فلو أن المملوك جاز أن يملك نفسه لكان حينئذ لا بد ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما أن يعتق بملكه له نفسه

وأما أن لا يعتق بذلك.

فإن قالوا : يعتق ، ولا بد

قلنا : ومن أين قلتم هذا ، ولا نص في ذلك.

فإن قالوا : قياسا على من يعتق عليه من ذوي رحمه فهو أولى بذلك

قلنا : القياس كله باطل , ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ; لأنه لا خلاف في افتراق حكم المرء في نفسه , وحكمه في ذوي رحمه , وأنه يجوز له في نفسه ما لا يجوز له في ذوي رحمه , فللمرء أن يؤاجر نفسه للخدمة , وليس له أن يؤاجر ذا رحمه للخدمة فبطل هذا القياس الفاسد على كل حال. ثم لو وجب عتقه بذلك لكان بلا شك إذ ملك رق نفسه فقد سقط ملك سيده عنه جملة , وصار العبد هو المعتق لنفسه. وقد قال رسول الله ﷺ : إنما الولاء لمن أعتق. فبطل أن يكون الولاء في ذلك للسيد , ووجب أن يكون ولاؤه لنفسه لأنه هو الذي أعتق على نفسه , وهذا خلاف قولكم. وإن قلتم : لا يعتق بذلك لزمكم أن تجيزوا له أن يبيع نفسه , وأنتم لا تقولون بهذا فوضح تناقض قولكم وفساده بلا شك. وبالله تعالى التوفيق.

فإن قالوا : قد قال الله تعالى حاكيا عن موسى عليه الصلاة والسلام ومصوبا له أنه : قال {رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي}

قلنا : صدق الله عز وجل وصدق موسى عليه الصلاة والسلام وكذب من يحرف الكلم عن مواضعه إن موسى عليه الصلاة والسلام لم يعن قط بلا خلاف من أحد وبضرورة الحس ملك رق نفسه ورق أخيه عليهما السلام , ومن قال هذا فقد كفر وسخف وتوقح ما شاء , وإنما عنى بلا شك ، ولا خلاف : ملك التصرف في أمر ربه عز وجل وهذا حق لا ينكره ذو عقل , فمن أضعف قولا وأفحش جهلا ممن يحتج بآية في خلاف نصها ومعناها , إن هذا لامر عظيم نعوذ بالله من مثله. فإذ قد بطل أن يملك أحد رق نفسه فقد بطل تمليكه ذلك , وإذ بطل تمليكه ذلك فقد بطل أن يكون له حكم نافذ غير الإنكار والإبطال , وصح قولنا والحمد لله رب العالمين.

وأما إبطال الأوزاعي الوصية للعبد جملة فخطأ ظاهر ; لأن الله تعالى أمر بالوصية جملة ولم يخص العبد من الحر. قال تعالى : {من بعد وصية يوصي بها أو دين} فكل وصية جائزة إلا وصية منع منها نص قرآن أو سنة.

وقال رسول الله ﷺ : في كل ذي كبد رطبة أجر.

فإن قيل : العبد لا يملك

قلنا : بل يملك لأن الله تعالى أجاز للعبد النكاح , وأمر بإنكاح الإماء وكلف الناكح جملة النفقة والإسكان والصداق , ولا يكلف ذلك إلا مالك , وكل ذلك فرض على كل ناكح , قال تعالى: {فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن} فأمر تعالى بإعطاء الأمة مهرها فصح أنه لها ملك صحيح.

وقال تعالى : {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} وهذا نص ظاهر.

فصح أن ملك العبيد والإماء للمال وكونهم أغنياء وفقراء كالأحرار.

فإن ذكروا قول الله عز وجل : {عبدا مملوكا لا يقدر على شيء}.

قلنا : لم يقل الله تعالى : إن هذه صفة كل مملوك , إنما ذكر من هذه صفته من المماليك , وقد قال تعالى : {رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء} أفترون كل أبكم فواجب لا يملك المال أصلا , ولا فرق بين النصين

وبرهان صحة قولنا : أن الله تعالى لم يقل عبدا مملوكا لا يمكن أن يملك مالا , إنما قال : لا يقدر على شيء , والله تعالى لا يقول إلا الحق ونحن نرى العبيد يقدرون على أشياء كقدرة الأحرار , أو أكثر , فيقدرون على الصلاة , والصيام , والطهارة , والجماع , والحركة , وحمل الأثقال , والقتال , والغزو.

فصح أن الله تعالى لم يعن قط بتلك الآية : ملك المال , وإنما عنى عبدا لا يقدر على شيء لضعف جسمه جملة فبطل تمويههم وبالله تعالى التوفيق. ومن العجائب إبطالهم ملك العبد لشيء من الأموال , ثم ملكوه ما لا يملك وهو رقبته.

وأما إجازة أبي حنيفة الوصية للمملوك بالجزء المشاع في المال وإبطاله الوصية له بالشيء المعين , أو المكيل المعين , أو الموزون , أو المعدود : فخطأ , لا خفاء به , وفرق لا

برهان له أصلا , لا من قرآن , ولا من سنة , ولا رواية ساقطة , ولا قول صاحب , ولا تابع , ولا قياس , ولا رأي سديد. وقد علم كل ذي حس سليم : أن من أوصى لعبده بثلث ماله فإن الشيء الموصى به هو غير الإنسان الموصى له بذلك الشيء.

فصح يقينا أنه لم يوص له من رقبته بشيء وإنما أوصى له بجزء من ماله لا تدخل فيه رقبته.

وأما قول مالك : أن الوصية جائزة , وليس للوارث أن ينتزعه منه : فخطأ فاحش , وقول لا نعلم أحدا قاله قبله , وقول لا

برهان على صحته.

فإن قيل : إنه إذا انتزعه منه صارت الوصية للوارث

قلنا : هذا باطل , ما صارت قط وصية لوارث , لكن هي وصية لغير وارث , ثم أخذها الوارث بحوله , كما يجيز مالك : الوصية لزوج الأبنة الفقير الذي لا شيء له ثم تأخذه الوارثة في صداقها , وفي نفقتها , وكسوتها. وكما أجاز أيضا الوصية لغريم الوارث العديم , ثم يأخذه الوارث في دينه , فأي فرق بين الأمرين وبالله تعالى التوفيق.   
=============
محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الثامنة والستون    (مسأله 1767 - 1771) ← 

كتاب الوصايا

1764 - مسألة: ولا تجوز وصية من لم يبلغ من الرجال والنساء أصلا. وقد اختلف الناس في هذا : فروينا من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي عن أمه : أن عمر بن الخطاب أجاز لها وصية غلام لم يحتلم ببئر جشم , قال عمرو بن سليم : فبعتها أنا بثلاثين ألف درهم.

ومن طريق ابن وهب عن رجال من أهل العلم ، عن ابن مسعود : أنه أجاز وصية الصبي , وقال : من أصاب الحق أجزنا ,

وروي ولم يصح عن أبان بن عثمان : أنه أجاز وصية جارية بنت تسع سنين بالثلث. وعن جابر الجعفي عن الشعبي : من أصاب الحق من صغير أو كبير أجزنا وصيته. وعن ابن سمعان عن الزهري : إذا عرف الصلاة جازت وصيته وإن لم يحتلم الغلام والجارية سواء. وصح عن شريح , وعبد الله بن عتبة بن مسعود , وإبراهيم النخعي : إجازة وصية الصغيرين إذا أصابا الحق. وقال الليث بن سعد كقول الزهري. وأجاز مالك وصية من بلغ تسع سنين فصاعدا. وقول آخر صح عن عمر بن عبد العزيز : أن من لم يبلغ الحلم فإن وصيته تجوز في قرب الثلث , ولا نرى أن تبلغ الثلث.

وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عنه. وقول ثالث : قال القاضي عبيد الله بن الحسن العنبري : وهو أنه إذا بلغ الصغيران سنا من وسط ما يحتلم له الغلمان : جازت وصيتهما. وقول رابع : وهو أن وصية من لم يحتلم لا تجوز ,

وكذلك المرأة ما لم تحتلم أو تحض

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن أبي يحيى عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء ، عن ابن عباس : لا تجوز وصية الغلام حتى يحتلم وصح هذا عن الحسن البصري , وإبراهيم النخعي أيضا

وهو قول أبي حنيفة , والشافعي , وأبي سليمان , وأصحابهم.

قال أبو محمد : أما تحديد عبيد الله بن الحسن ببلوغ من هي وسط ما يحتلم لها الغلمان ومنع عمر بن عبد العزيز من بلوغ الثلث , وإجازته ما قرب من ذلك وتخصيص مالك ابن تسع فصاعدا : فأقوال لا متعلق لها بشيء أصلا , وما نعلم أحدا حد ذلك قبل مالك. ولعل بعض مقلديه يقول : صح أن النبي ﷺ دخل بعائشة أم المؤمنين وهي بنت تسع سنين فنقول له : نعم , وصح أنه عليه الصلاة والسلام تزوجها وهي بنت ست سنين , فأجيزوا وصية ابن ست سنين بذلك. وهذا كله لا مدخل له في الوصية أصلا.

وأما من أجاز وصية الصغيرين إذا أصابا الحق , فإنهم احتجوا بقول الله تعالى : {وافعلوا الخير}. قالوا : وهذا عموم , وقال تعالى في المواريث : {من بعد وصية يوصي بها أو دين} وهذا عموم , وبالثابت عن النبي ﷺ إذ سألته المرأة عن الصغير أله حج فقال عليه الصلاة والسلام : نعم , ولك أجر ووجدناه يحض على الصلاة والصيام فالوصية كذلك. وقالوا : السفيه , والصغير ممنوعان من أموالهما في حياتهما , ووصية السفيه : جائزة , فالصغير كذلك وقالوا : هذا حكم عمر بحضرة الصحابة ، رضي الله عنهم ، والرواية ، عن ابن عباس بخلاف ذلك لا تصح , لأنها عن هالكين : إبراهيم بن أبي يحيى , والحجاج بن أرطاة , ومثل هذا لا يقال بالرأي ما لهم شبهة غير ما ذكرنا. وكل ذلك لا متعلق لمالك ومن قلده بشيء منه ; لأنهم خصوا من دون التسع بلا ;

برهان , فخالفوا كل ذلك.

قال أبو محمد : وكله لا حجة لهم في شيء منه : أما قوله تعالى : {وافعلوا الخير}.

وقوله تعالى : {من بعد وصية يوصي بها أو دين}. فإن من لم يبلغ غير مخاطب بشيء من الشرائع , لا بفرض ، ولا بتحريم ، ولا بندب , ولا داخلا في هذا الخطاب , لكن الله تعالى تفضل عليه بقبول أعماله التي هي أعمال البر ببدنه دون أن يلزمه ذلك. وقد صح عن رسول الله ﷺ أن القلم مرفوع عن الصبي حتى يبلغ فصح أنه غير مخاطب , فبطل التعليق بالآيتين المذكورتين.

وأما قوله عليه الصلاة والسلام في الصغير له حج فنعم , هو حق , وليس في ذلك إطلاقه على التقرب بالمال والصدقة به , لا في حياته ، ولا في وصيته بعد وفاته , فبطل تعلقهم بهذا الخبر وبالله تعالى التوفيق. والقياس باطل , ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل ; لأنهم لم يقيسوا الصدقة في الحياة من الصغير على الحج منه , فقياس الوصية بالمال على الصدقة بالمال أولى أن يكون لو كان القياس حقا من قياس الوصية على الحج والصلاة.

وأما قولهم : إن من لم يبلغ يحض على الصلاة , والصيام فكذلك الوصية فباطل أيضا لأنه قياس فاسد كما ذكرنا.

وأما قولهم : إن الصغير , والسفيه ممنوعان من مالهما , ووصية السفيه جائزة فكذلك الصغير فهذا من أفسد ما شغبوا به , لأننا لا نساعدهم على أن مسلما يعقل يكون سفيها أصلا , حاش لله من ذلك , إنما السفيه الكافر , أو المجنون الذي لا يميز لكن نقول لهم : إن الصغير والأحمق الذي لا يميز : ممنوعان من مالهما , ووصية الأحمق الذي لا يميز لا تجوز , فالصغير كذلك فهذا قياس أصح من قياسهم ; لأن القضية الأولى متفق عليها. وبالله تعالى التوفيق.

وأما قولهم : إنه فعل عمر بحضرة الصحابة ، رضي الله عنهم ، , ومثله لا يقال بالرأي فلا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ . ثم إنها لا تصح عن عمر , ولا ، عن ابن مسعود , لأن أم عمرو بن سليم مجهولة , وعمرو بن سليم لم يدرك عمر , ولا يدرى من رواه ، عن ابن مسعود , وقد خالفهما ابن عباس , والرواية عنهم كلهم في ذلك لا تصح. وكم قضية خالفوا فيها عمر بن الخطاب لا يعرف له فيها مخالف من الصحابة ، رضي الله عنهم ، , فبطل كل ما شغبوا به وبالله تعالى التوفيق. فلما بطل كل ما احتجوا به وجدنا الله تعالى يقول : {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} فصح بنص القرآن أن المجنون , والصغير : ممنوعان من أموالهما حتى يعقل الأحمق , ويبلغ الصغير فصح أنه لا يجوز لهما حكم في أموالهما أصلا , وتخصيص الوصية في ذلك خطأ.

وكذلك صح عن النبي ﷺ ، أنه قال : رفع القلم عن ثلاثة فذكر فيهم الصغير حتى يبلغ فصح أنه غير مخاطب وبالله تعالى التوفيق.


1765 - مسألة: ولا تجوز وصية العبد أصلا , لأن الله تعالى إنما جعل الوصية حيث المواريث والعبد لا يورث فهو غير داخل فيمن أقر بالوصية في القرآن

وقال رسول الله ﷺ في وصية " من له شيء يوصي فيه " وليس لأحد شيء يوصي فيه إلا من أباح له النص ذلك , وليس للعبد شيء يوصي فيه , إنما له شيء إذا مات صار لسيده لا يورث عنه.

فأما من بعضه حر وبعضه عبد فوصيته كوصية الحر ; لأنه يورث فهو داخل في عموم المأمورين بالوصية وبالله تعالى التوفيق.


1766 - مسألة: ومن أوصى بما لا يحمله ثلثه بدئ بما بدأ به الموصي في الذكر أي شيء كان حتى يتم الثلث , فإذا تم بطل سائر الوصية. فإن كان أجمل الأمر تحاصوا في الوصية , وهذا مكان اختلف الناس فيه : فروي ، عن ابن عمر , وعطاء الخراساني. وصح عن مسروق , وشريح , والحسن البصري , وإبراهيم النخعي , وسعيد بن المسيب , والزهري , وقتادة , وسفيان الثوري , وإسحاق بن راهويه : أنه يبدأ بالعتق على جميع الوصايا. وقول آخر : رويناه من طريق سعيد بن منصور ، حدثنا جرير عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال : إنما يبدأ بالعتق إذا كان مملوكا له سماه باسمه ,

فأما إذا قال : أعتقوا عني نسمة , فالنسمة وسائر الوصية سواء

وهو قول الشعبي. ورويناه من طريق سعيد بن منصور قال : ، حدثنا أشعث بن سوار عن الشعبي قال هشيم : وسمعت ابن أبي ليلى , وابن شبرمة يقولانه. وقول ثالث : وهو أنه تتحاص الوصايا , العتق وغيره سواء : رويناه من طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا حماد بن زيد , قال ابن سلمة : أنا قيس عن عطاء بن أبي رباح , وقال ابن زيد : أنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين , ثم اتفق عطاء , وابن سيرين فيمن أوصى بعتق وأشياء , فزادت على الثلث : أن الثلث بينهم بالحصص.

ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم ، حدثنا مطرف ، هو ابن طريف عن إبراهيم النخعي , قال : يبدأ بالعتاقة ,

وقال الشافعي : بالحصص.

ومن طريق سعيد بن منصور قال هشيم : أنا يونس بن عبيد عن الحسن ، أنه قال : يبدأ بالعتق , ثم قال بعد ذلك : بالحصص

وهو قول أحمد بن حنبل , وأبي ثور , وأحد قولي ابن شبرمة , وزاد : أنه يستسعي في العتق فيما فضل عن الوصية.

وأما المتأخرون : فإن الليث بن سعد قال : يبدأ بالمدبر والمعتق بتلا في المرض ويتحاصان إن لم يحملهما الثلث , ثم من بعدهما بمن أوصى بعتقه بعينه , وهو في ملكه حين الوصية , ثم يتحاص العتق الموصى به جملة مع سائر الوصايا وقال الحسن بن حي : يبدأ بالمعتق بتلا في المرض , ثم العتق وسائر الوصايا سواء , يتحاص في كل ذلك.

وقال أبو حنيفة : يبدأ بالمحاباة في المرض , ثم بعده بالعتق بتلا في المرض إذا كان العتق بعد المحاباة , فإن أعتق في مرضه ثم حابى تحاصا جميعا , فإن حابى في مرضه ثم أعتق , ثم حابى , فللبائع المحابي أولا نصف الثلث , ويكون نصف الثلث الباقي بين المعتق في المرض بتلا وبين المحابي في المرض آخرا فهذا يقدم على جميع الوصايا , سواء قدم في ذلك في الذكر أو آخره. فإن أوصى مع ذلك بحج وعتق وصدقة ووصايا لقوم بأعيانهم : قسم الثلث , أو ما بقي منه بين الموصى لهم بأعيانهم وبين سائر القرب , فما وقع للموصى لهم بأعيانهم دفع إليهم وتحاصوا فيه , وما وقع لسائر القرب بدئ بما بدأ به الموصي في الذكر , فإذا تم فلا شيء لما بقي. وقال أبو يوسف , ، ومحمد بن الحسن القاضي يبدأ بالعتق في المرض أبدا على المحاباة في المرض ثم المحاباة. فإن أوصى بعتق مطلق , أو بعتق عبد في ملكه , وبمال مسمى في سبيل الله عز وجل , وبصدقة , وفي الحج , ولأنسان بعينه : تحاص كل ذلك , فما وقع للموصى له بعينه أخذه , وسائر ذلك يبدأ بما بدأ به الموصي بذكره أولا فأولا , فإذا تم الثلث فلا شيء لما بقي. وقال زفر بن الهذيل : إن أعتق بتلا في مرضه , ثم حابى في مرضه بدئ بالعتق , وإن حابى في مرضه ثم أعتق بدئ بالمحاباة , ثم سائر الوصايا , سواء ما أوصى به من القرب وما أوصى به لأنسان بعينه : كل ذلك بالحصص , لا يقدم منه شيء على شيء.

وقال مالك : يبدأ بالمحاباة في المرض , ثم بالعتق بتلا في المرض , والمدبر في الصحة , ويتحاصان , ثم عتق من أوصى بعتقه وهو في ملكه , وعتق من سماه وأوصى بأن يبتاع فيعتق بعينه , ويتحاصان , ثم سائر الوصايا , ويتحاص مع ما أوصى به من عتق غير معين. وقد روي عنه : أن المدبر يبدأ أبدا على العتق بتلا في المرض.

وقال الشافعي : إذا أعتق في المرض عبدا بتلا بدئ بمن أعتق أولا فأولا , ولا يتحاصون في ذلك , ويرق من لم يحمله الثلث , أو يرق منه ما يحمله الثلث. والهبة في المرض مبداة على جميع الوصايا بالعتق وغيره. وقال مرة أخرى : يتحاص في المحاباة في المرض وسائر الوصايا على السواء , قال : وقد قيل : إن المحاباة في البيع في المرض مفسوخ , لأنه وقع على غرر.

قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة , وأبي يوسف , ومحمد بن الحسن , وزفر , ومالك , والشافعي , والليث , والحسن بن حي : فظاهرة الخطأ ; لأنها دعاوى وآراء بلا

برهان , لا من قرآن , ولا من رواية سقيمة , ولا قول أحد من خلق الله تعالى نعلمه قبلهم , ولا قياس ، ولا رأي سديد. وليس لأحد أن يموه هاهنا بكثرة القائلين ; لأنهم كلهم مختلفون كما ترى , وأفسدها كلها قول أبي حنيفة , ثم قول مالك لكثرة تناقضهما , وتفاسد أقسامهما , وهي أقوال تؤدي إلى تبديل الوصية بعد ما سمعت , وفي هذا ما فيه.

ثم نقول وبالله تعالى التوفيق قولا جامعا في إبطال ما اتفق عليه المذكورون من تبدية العتق بتلا في المرض , والمحاباة في المرض , فنقول لهم : يا هؤلاء أخبرونا عن قضاء المريض في عتقه , وهبته , ومحاباته في بيعه , أهو كله وصية , أم ليس وصية ، ولا بد من أحدهما

فإن قالوا : ليس شيء منه وصية

قلنا : صدقتم , وهذا قولنا , وإذا لم يكن وصية فلا مدخل له في الثلث أصلا ; لأن الثلث بالسنة المسندة مقصور على الوصايا , فقد أبطلتم إذ جعلتم ذلك في الثلث

فإن قالوا : بل كل ذلك وصية

قلنا لهم : من أين وقع لكم تبدية ذلك على سائر الوصايا , وإبطال ما أوصى به المسلم , وتبديله بعد ما سمعتموه , وقد قال الله تعالى : {فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه} واعلموا : أنه لا متعلق لهم بمن روي عنه تبدية العتق من ابن عمر , ومسروق , وشريح , والزهري , وقتادة ثم عن النخعي , والشعبي , والحسن , في أحد أقوالهم ; لأنه لم يأت قط عن أحد من هؤلاء , ولا من غيرهم تبدية العتق في المرض في الثلث , والمحاباة في المرض في الثلث , على سائر الوصايا , إنما جاء عمن ذكرنا تبدية العتق على سائر الوصايا. وعن النخعي , والشعبي في أحد قوليهما : تبدية عتق من أوصى بعتقه باسمه وعينه وهو في ملك الموصي على سائر الوصايا فقد خالف المذكورون كل من ذكرنا بآراء مخترعة في غاية الفساد.

فإن قالوا : وقع ذلك لنا ; لأن العتق في المرض , والمحاباة في المرض : أوكد من سائر الوصايا

قلنا : هذا باطل من وجهين : أحدهما أنه دعوى كاذبة لا دليل على صحتها , ومن أين وجب أن تكون محاباة النصراني في بيع ثوب حرير , أو لخليع ماجن في بيع تفاح لنقله : أوكد من الوصية في سبيل الله عز وجل في ثغور مهمة , ومن فك مسلم فاضل , أو مسلمة كذلك , أو صغار مسلمين من أسر العدو , ونخاف عليهم الفتنة في الدين , والفضيحة في النفس , إن هذا لعجب ما مثله عجب ودعاوى فاحشة مفضوحة بالكذب

فإن قالوا : العتق في المرض قد استحقه المعتق ,

وكذلك المحاباة

قلنا : فإن كانا قد استحقاه فلم تردانهما إلى الثلث إذا , وما هذا التخليط تارة يستحق ذلك , وتارة لا يستحق وفي هذا كفاية في فساد تلك الأقوال التي هي النهاية في الفساد ونحمد الله تعالى على تخليصه إيانا من الحكم بها في دينه , وعلى عباده. ولم يبق إلا قول من قال بتقديم العتق جملة على سائر الوصايا

وهو قول من ذكرنا من المتقدمين , وقول سفيان , وإسحاق.

قال أبو محمد : احتج هؤلاء بما صح عن رسول الله ﷺ من قوله : ومن أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار , حتى فرجه بفرجه. وقالوا : من الدليل على تأكيد العتق : أن رسول الله ﷺ أنفذ عتق الشريك في حصة شريكه وذكروا خبرا رواه بشر بن موسى عن عبد الله بن يزيد المقري عن حيوة بن شريح عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب , قال : مضت السنة أن يبدأ بالعتاق في الوصية وقالوا : هو قول ابن عمر , وهو صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف وقالوا : هو قول جمهور العلماء

وقال بعضهم : العتق لا يلحقه الفسخ , وسائر الأشياء يلحقها الفسخ

وقال بعضهم : لو أن امرأ أعتق عبد غيره وباعه آخر , فبلغ ذلك السيد , فأجاز الأمرين جميعا , أنه يجوز العتق , ويبطل البيع ولو أن امرأ وكل رجلا بعتق عبده , ووكل آخر ببيعه فوقع البيع والعتق من الوكيلين معا : أن العتق نافذ , والبيع باطل

قال علي : أما هاتان القضيتان فهو نصر منهم للخطأ بالضلال , وللوهم بالباطل , بل ليس للسيد إجازة عتق وقع بغير إذنه , ولا إجازة بيع وقع بغير أمره ; لأن كل ذلك حرام بنص القرآن , والسنة , والإجماع

قال الله تعالى : {ولا تكسب كل نفس إلا عليها}.

وقال رسول الله ﷺ : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام. فمن أحل الحرام فتحليله باطل , وقوله مردود , لكن إن أحب إنفاذ عتق عبده فليعتقه هو بلفظه مبتدئا وإن أحب بيعه فليبعه كذلك مبتدئا ، ولا بد. والتوكيل في العتق : لا يجوز ; لأنه لم يأت بإجازته قرآن , ولا سنة.

وأما التوكيل في البيع : فجائز بالسنة , فمن وكل بعتق عبده لم ينفذ عتقه أصلا , ومن وكل في بيعه : جاز ذلك.

وأما قولهم : العتق لا يلحقه فسخ وسائر الأشياء يلحقها فسخ : فقد كذبوا , وكل عقد من عتق أو غيره وقع صحيحا فلا يجوز فسخه , إلا أن يأتي بإيجاب فسخه قرآن , أو سنة , والعتق الصحيح قد يفسخ , وذلك من أعتق عبدا نصرانيا ثم إن ذلك العبد النصراني لحق بدار الحرب فسبى وقسم , فإن عتقه الأول يفسخ عندنا وعندهم فظهر فساد قولهم كله.

وأما قولهم : إنه قول جمهور العلماء , فقد خالفهم من ليس دونهم , كعطاء , وابن سيرين , والشعبي , والحسن , وليس قول الجمهور حجة ; لأنه لم يأت بذلك قرآن , ولا سنة , وما كان هكذا فلا يعتمد عليه في الدين.

وأما قولهم : إنه قول ابن عمر , ولا يعرف له مخالف من الصحابة , فإنه ، عن ابن عمر لا يصح ; لأنه من رواية أشعث بن سوار وهو ضعيف ولم يأمر الله تعالى بالرد عند التنازع إلا إلى كلامه , وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام لا إلى كلام صاحب ، ولا غيره , فمن رد عند التنازع إلى غير كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ فقد تعدى حدود الله تعالى : ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه. قال تعالى : {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}

وأما الرواية عن سعيد بن المسيب مضت السنة أن يبدأ بالعتاق في الوصية , فهذا غير مسند , ولا مرسل أيضا , ومن أضاف إلى رسول الله ﷺ مثل هذا فقد كذب عليه , ومن كذب عليه متعمدا فليتبوأ مقعده من النار , ولم يقل سعيد رحمه الله إن هذا قول رسول الله ﷺ ولا حكمه وقد يقول ابن المسيب وغيره : مثل هذا في قول صاحب. ومن أعجب ممن لا يرى قول ابن عباس بأصح طريق إليه في قراءة أم القرآن في الصلاة على الجنازة أنها السنة حجة , ثم يرى قول سعيد بن المسيب لذلك : حجة , وحتى لو أن سعيد بن المسيب يقول : إن هذا حكم رسول الله ﷺ وقوله لكان مرسلا , لا حجة فيه.

وأما احتجاجهم في تأكيد العتق بالخبر الثابت عن النبي ﷺ فيمن أعتق رقبة , وإنفاذه عليه الصلاة والسلام عتق الشريك في حصة شريكه : فهما سنتا حق بلا شك , وليس فيهما إلا فضل العتق والحكم فيه فقط , ولم يخالفونا في شيء من هذا. وليس في هذين الخبرين : أن العتق أوكد مما سواه من القرب أصلا ,

ومن ادعى ذلك فيهما فقد كذب وقال الباطل , بل قد جاء نص القرآن بالتسوية بين العتق والإطعام لمسكين قال تعالى : {وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة}

وكذلك في كفارة الأيمان , وهذه كفارة حلق الرأس في الحج لمن به أذى منه لو أعتق فيه ألف رقبة ما أجزأه , وإنما يجزيه صيام أو صدقة أو نسك , أفترى هذا دليلا على فضل النسك على العتق حاش لله من هذا إنما هي أحكام يطاع لها ، ولا يزاد فيها ما ليس فيها ثم قد جاء النص الصحيح بأن بعض القرب أفضل من العتق ببيان لا إشكال فيه يكذب دعواهم في تأكيد العتق على سائر القرب.

حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن جعفر بن زياد ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله ﷺ أي الأعمال أفضل قال : إيمان بالله ورسوله , قيل : ثم ماذا قال : الجهاد في سبيل الله , قيل : ثم ماذا قال : حج مبرور.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان قال : سمعت ابن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير ، هو ابن الأشج أنه سمع كريبا مولى بن عباس يقول : سمعت ميمونة بنت الحارث هي أم المؤمنين تقول : أعتقت وليدة في زمان رسول الله ﷺ فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال : لو أعطيت أخوالك كان أعظم لأجرك ". فهذا نص جلي يغني الله تعالى به عن تقحم الكذب وتكلف القول بالباطل بالظن الكاذب والحمد لله رب العالمين. ثم لو صح لهم أن العتق أفضل من كل قربة , فمن أين لهم إبطال سائر ما تقرب به الموصي إلى الله تعالى إيثارا للعتق الذي هو أقرب وهذا تحكم لا يجوز , ويلزم من قال بهذا أن يقول بما صح عن عطاء , وابن جريج , الذي رويناه من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء : أوصى إنسان في أمر فرأيت غيره خيرا منه قال : فافعل الذي هو خير للمساكين , أو في سبيل الله فرأيت خيرا من ذلك فافعل الذي هو خير ما لم يسم إنسانا باسمه , قال ابن جريج : ثم رجع عطاء عن ذلك فقال : لينفذ قوله قال ابن جريج : وقوله الأول أعجب إلي.

قال أبو محمد : من أبطل شيئا مما أوصى به المسلم إيثارا للعتق فقد سلك سبيل قول عطاء الأول , وقول ابن جريج , إلا أنهم جمعوا إلى ذلك تناقضا قبيحا زائدا.

قال علي : فإذ قد بطل قول من يرى تبدية بعض الوصايا على بعض , فلم يبق إلا قولنا , أو قول من رأى التحاص في كل ذلك :

فنظرنا في ذلك , فوجدنا من فعل ذلك قد خالف ما أوصى به الموصي أيضا بغير نص , من قرآن , أو سنة , وهذا لا يجوز.

فإن قالوا : وأنتم قد خالفتم أيضا ما أوصى به الموصي

قلنا : خلافنا لما أوصى غير خلافكم ; لأنكم قد خالفتموه بغير نص , من قرآن ، ولا سنة , ونحن خالفناه بنص القرآن والسنة , وهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره.

قال أبو محمد : فلما عري هذا القول أيضا من البرهان لزمنا أن نأتي بالبرهان على صحة قولنا فنقول وبالله تعالى التوفيق : وجدنا الله تعالى يقول : {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} وصح أن رسول الله ﷺ لم يجز الوصية إلا بالثلث فأقل.

فصح يقينا أن من أوصى بثلثه فأقل : أنه مطيع لله تعالى , فوجب إنفاذ طاعة الله عز وجل. ووجدنا من أوصى بأكثر من الثلث عاصيا لله عز وجل إن تعمد ذلك على علم وقصد ,

وأما مخطئا معفوا عنه الإثم إن كان جهل ذلك , وفعله باطل بكل حال , ولا يحل إنفاذ معصية الله عز وجل , ولا إمضاء الخطأ

قال الله تعالى : {ليحق الحق ويبطل الباطل}. ووجدنا الموصي إذا أوصى في وجه ما بمقدار ما دون الثلث فقد وجب إنفاذ كل ما أوصى به , كما ذكرنا , فإذا زاد على الثلث كانت الزيادة باطلا لا يحل إنفاذه فصح نص قولنا حرفا حرفا كما أمر الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام

فإن قال قائل : ومن قال هذا قبلكم

قلنا له : إن كان حنيفيا أو مالكيا ومن قال قبل مالك وأبي حنيفة بأقوالهما في هذه المسألة إلا أن بين الأمرين فرقا , وهو أن أقوالهما لا يوافقهما نص ، ولا قياس , وقولنا هو نفس ما أمر به الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام. وإنما في هذه المسألة قول عن عشرة من التابعين , وواحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، وهم عشرات ألوف , فأين أقوال سائرهم فكيف وقد قال بتبدية ما ابتدأ به الموصي أبو حنيفة , والشافعي , كما ذكرنا في بعض أقوالهما , وما نقول هذا متكثرين بأحد غير رسول الله ﷺ ولا مستوحشين إلى سواه , ولكن لنري المخالف فساد اعتراضه , وفاحش انتقاضه وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : فإن لم يبدأ الموصي بشيء , لكن قال فلان وفلان وفلان : يعطى كل واحد منهم كذا وكذا , فلم يحمل الثلث ذلك , فهاهنا يتحاصون ، ولا بد ; لأنه ليس لهم إلا الثلث فيجوز لهم ما أجازه الله تعالى , ويبطل لهم ما أبطله الله تعالى , وكذلك سائر القرب وبالله تعالى التوفيق.
محلى ابن حزم - المجلد الرابع/كتاب الوصايا
كتاب الوصايا (مسأله 1751 - 1755) | كتاب الوصايا (مسأله 1756 - 1763) | كتاب الوصايا (مسأله 1764 - 1766) | كتاب الوصايا (مسأله 1767 - 1771)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المصحف كاملا وورد

  سُورَةُ الفَاتِحَةِ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ١ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٣ مَ...