الحاج سليمان

الثلاثاء، 30 يناير 2024

​اعتقادات فرق المسلمين والمشركين​ المؤلف فخر الدين الرازي



اعتقادات فرق المسلمين والمشركين

المحتويات

الفصل الأول في شرح فرق اليهود

الفصل الثاني في شرح أحوال النصارى

الفصل الثالث في فرق المجوس

الفصل الخامس في الصبائية

الفصل السادس في أحوال الفلاسفة

 

​اعتقادات فرق المسلمين والمشركين​ المؤلف فخر 


الدين الرازي  

ملاحظات: من الموسوعة الشاملة

كتاب الفرق في شرح أحوال مذاهب المسلمين والمشركين

وهو مرتب على عشرة أبواب

الباب الأول في شرح فرق المعتزلة

وفيه ثلاثة فصول

الفصل الأول

في بيان ما يشترك فيه سائر فرق المعتزلة

اعلم أن المعتزلة كلهم متفقون على نفي صفات الله تعالى من العلم والقدرة وعلى أن القرآن محدث ومخلوق وأن الله تعالى ليس خالقا لأفعال العبد

الفصل الثاني

في أنهم لم سموا معتزلة

كان واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد من تلامذة الحسن البصري رحل ولما أحدثا مذهبا وهو أن الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر اعتزلا حلقة الحسن البصري وجلسا ناحية في المسجد فقال الناس إنهما اعتزلا حلقة الحسن البصري فسموا معتزلة لذلك قال القاضي عبد الجبار وهو رئيس المعتزلة كلما ورد في القرآن من لفظ الاعتزال فإن المراد منه الاعتزال عن الباطل فعلم أن اسم الاعتزال مدح وهذا فاسد لقوله تعالى فإن لم تؤمنوا لي فاعتزلوني فإن المراد من هذا الاعتزال هو الكفر

الفصل الثاني

في فرق المعتزلة

اعلم أنهم سبع عشرة فرقة

الفرقة الأولى الغيلانية

أتباع غيلان الدمشقي وهؤلاء يجمعون بين الاعتزال والإرجاء وغيلان هذا هو الذي قتله هشام بن عبد الملك سابع خلفاء بني مروان

الفرقة الثانية الواصلية

أتباع واصل بن عطاء الغزال وهو أول من قال إن الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر ولا منافق ولا مشرك ومن مذهبهم أن عليا وطلحة رضي الله عنهما لو شهدا في شيء واحد فشهادتهما غير مقبولة وإن شهد فيه كل واحد منهما مع شخص آخر فشهادته مقبولة

الفرقة الثالثة العمرية

أتباع عمرو بن عبيد ومن قولهم إن شهادة طلحة والزبير غير مقبولة بوجه ما

الفرقة الرابعة الهزيلية

أتباع أبي الهزيل ومن مذهبهم أن خالقيه الله تعالى قد انتهت إلى حد لا يقدر أن يخلق شيئا آخر

الفرقة الخامسة النظامية

اتباع إبراهيم بن سيار النظام ومن مذهبهم أن العبد قادر على أشياء لا يقدر الله تعالى على خلقها والإجماع وخبر الواحد والقياس ليس بحجة عند هؤلاء ولا يذكرون الصحابة ولا عليا رضي الله عنهم بسوء

الفرقة السادسة الثمامية

أتباع ثمامة بن أشرس وكان في زمن المأمون ومن مذهبهم أن الفعل يصح من غير الفاعل

الفرقة السابعة البشرية

أتباع بشر بن معمر بن عباد السلمي وهم يثبتون النفس الناطقة كما هو مذهب الفلاسفة ويثبتون في الجسم معاني غير متناهية

الفرقة التاسعة المزدارية

أتباع أبي موسى بن عيسى بن مسيح المزدار وهو تلميذ بشر وأستاذه جعفر بن الحرث وجعفر بن المبشر

الفرقة العاشرة الهشامية

أتباع هشام بن عمرو القوطي وقد كان يمنع من قول حسبنا الله ونعم الوكيل لأنه لا يجوز إطلاق اسم الوكيل على الله تعالى

الفرقة الحادية عشرة الجاحظية

أتباع عمرو بن بحر الجاحظ ومن قولهم إن المعارف ضرورية

الفرقة الثانية عشرة الجبائية

أتباع أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي ومن مذهبهم أنه يجوز أن يكون العرض الواحد في حالة واحدة موجودا ومعدوما معا والتزموا هذا من كلام الله تعالى

الفرقة الرابعة عشرة البهشمية

أتباع أبي بهشم عبد السلام بن أبي على الجبائي وهم يثبتون الحال ويجوزون أن يعاقب الله تعالى العبد من غير أن يصدر عنه ذنب

الفرقة الخامسة عشرة الأحشدية

أتباع أحشد بن أبي بكر تلميذ محمد بن عمر الصيمري وهم يكفرون أبا هاشم وأتباعه

الفرقة السادسة عشرة الخياطية

أتباع أبي الحسن عبد الرحيم الخياط وهو أستاذ أبي القاسم الكعبي وهم يقولون إن الجسم في العدم جسم حتى أنهم ألزموه أن يكون راكبا فرسا معدوما فالتزم ذلك وجوزوه

الفرقة السابعة عشرة الحسينية

أتباع أبي الحسين علي بن محمد البصري وهو تلميذ القاضي عبد الجبار بن أحمد ثم خالفه ونفى الحال والمعدوم والمعاني وجوز كرامات الأولياء ونفى المريدية وتوقف في السمع والبصر ولم يبق في زماننا من سائر فرق المعتزلة إلا هاتان الفرقتان أصحاب أبي هاشم وأصحاب أبي الحسين البصري

الباب الثاني في شرح فرق الخوارج

ساير فرقهم متفقون على أن العبد يصير كافرا بالذنب وهم يكفرون عثمان وعليا رضى وطلحة والزبير وعائشة ويعظمون أبا بكر وعمر رضي الله عنهم

الفرقة الأولى المحكمية

وهم الذين قال لعلي رضى لما حكم الحاكمين إن كنت تعلم أنك الإمام حقا فلم أمرتنا بالمحاربة ثم انفصلوا عنه بهذا السبب وكفروا عليا ومعاوية رضي الله عنهما

الفرقة الثانية الأزارقة

أتباع أبي نافع راشد بن الأزرق ومن مذهبهم أن قتل من خالفهم جائز

الفرقة الثالثة النجدات

أتباع نجدة بن عامر النخعي وهم يرون أن قتل من خالفهم واجب وأكثر الخوارج بنجستان على مقالته

الفرقة الرابعة البيهية

أتباع أبي بيهس ومذهبهم أن من لا يعرف الله تعالى وأسماءه وتفاصيل الشريعة فهو كافر

الفرقة الخامسة العجاردة

أتباع عبد الكريم بن عجرد وعندهم أن سورة يوسف ليست القرآن لأنها في شرح العشق والعاشق والمعشوق ومثل هذا لا يجوز أن يكون كلام الله تعالى

الفرقة السادسة الصلتية

أتباع عثمان بن أبي الصلت وعندهم أن من دخل في مذهبهم فهو مسلم وإنما يحكمون بإسلام الأطفال من حين بلوغهم

الفرقة السابعة الميمونية

وهو ميمون بن عمران ليتبعوه وهم يجوزون نكاح بناتهم ولا يرون أن الشر من الله تعالى

الفرقة الثامنة الحمزية

أتباع حمزة بن أدرك وهم يقطعون بأن أطفال الكفار في النار

الفرقة التاسعة الخلفية

أتباع خلف وهم لا يرون أن الخير والشر من الله تعالى

الفرقة العاشرة الأطرافية

وهم يقولون إن من لم يعلم أحكام الشريعة من أصحاب أطراف العالم فهو غير معذور

الفرقة الحادية عشرة الشعبيبة

أصحاب شعيب بن محمد وهم يقولون إن العبد مكتسب ولا يقولون إنه موجد غير أنهم يوافقون بقية الخوارج فيما عدا هذا من البدع

الفرقة الثانية عشرة الحازمية

أصحاب حازم وهم يقولون بالموافاة

الفرقة الثالثة عشرة الثعلبية

وهو ثعلب بن عامر وهم على ولاية الأطفال إلا إن ظهر منهم باطل في وقت التكليف

الفرقة الرابعة عشرة الأخنسية

أصحاب أخنس بن قيس وهم يتبرءون من كل من لا يوافقهم ولا يسكن في بلاد مخالفهم

الفرقة الخامسة عشرة المعبدية

أصحاب معبد وهم لا يجوزون نكاح كل أمرأة تخالف الدين

الفرقة السادسة عشرة الرشيدية

يوجبون العشر في المعشرات سواء كان السقي من السماء أو من الدالية

الفرقة السابعة عشرة المكرمية

أصحاب مكرم وهم يقولون إن تارك الصلاة كافر لا أنه ترك الصلاة بل لأنه جاهل بالله

الفرقة الثامنة عشرة المعلومية والمجهولية

أما المعلومية فيقولون من لم يعرف الله تعالى بسائر أسمائه فهو كافر وأما المجهولية فيقولون إن معرفة جميع الأسماء ليست بواجبة

الفرقة التاسعة عشرة الأباضية

أتباع عبد الله بن أباض ظهر في زمن مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية وقتل عاقبة الأمر

العشرون الأصفرية

أتباع زياد بن الأصفر يجوزون التقية في القول دون العمل

الفرقة الحادية والعشرون الحفصية

هو أبو جعفر بن أبي المقدام يقولون إن بين الإيمان والشرك خصلة أخرى وهي معرفة الله تعالى

الباب الثالث الروافض

إنما سموا بالروافض لأن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج على هشام بن عبد الملك فطعن عسكره عن! أبي بكر فمنعهم من ذلك فرفضوه ولم يبق معه إلا مائتا فارس فقال لهم أي زيد بن علي رفضتموني قالوا نعم فبقى عليهم هذا الإسم وهم أربع طوائف الزيدية الإمامية الكيسانية أما الزيدية هم المنسبون إلى زيد بن علي زين العابدين فثلاث طوائف

الأولى الجارودية

أتباع أبي الجارود وهم يطعنون في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

الثانية السليمانية

هو سليمان بن جرير وهم يعظمون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ويكفرون عثمان رضي الله عنه

وأما الأمامية فهم فرق

الأولى يقولون إن عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل عليا بل المقتول حنى ربي ! في صورة علي وصعد على إلى السماء وسينزل وسيجيء أبا بكر وعمر وينتقم منهما ويزعمون أن الرعد صوت على رضى والبرق صوته وهم إذا سمعوا صوت الرعد يقولون عليك السلام يا أمير المؤمنين

الثالثة الباقرية

وهم يقولون إن الإمامة لما بلغت إلى محمد بن علي الباقر حتمت عليه وهو لم يمت ولا يموت لكنه غائب

الثانية الناموسية

وهم يقولون إن جعفرا لم يمت لكنه غايب وهو الإمام

الرابعة العمادية

وهم يقولون إن الإمام بعد جعفر الصادق ولده موسى

الخامسة الشمطية

وهم يقولون إن الإمام بعد جعفر الصادق ولده موسى

السادسة الإسماعيلية

وهم يقولون إن الإمام بعد جعفر الصادق إسماعيل بن جعفر ولكن لما مات إسماعيل في حال حيوة أخيه عادت الإمامة إلى أخيه

السابعة المباركية

وهم يقولون إن إسماعيل لما مات انتهت الإمامة إلى ولده محمد بن إسماعيل دون أخيه

الثامنة الممطورية

وهم قوم يقولون إن موسى بن جعفر لم يمت بل هو غائب وإنما سموا بهذا الاسم لما أظهروا هذه المقالة قال لهم قوم والله ما أنتم إلا كلاب ممطورة يعني أنهم كالكلاب المبتلة من غاية ركاكة هذه المقالة

التاسعة القطعية

وهم يقطعون بدعوة موسى بن جعفر

العاشرة

وهم الذين وقفوا على علي بن موسى الرضا لما مات ولم ينقلوا الإمامة إلى ولده

الحادية عشرة العسكرية

وهم قوم يعترفون بإمامة الحسن العسكري

والثانية عشرة الجعفرية

يقولون إن الإمامة انتقلت من الحسن العسكري إلى أخيه جعفر

الثالثة عشرة أصحاب الانتظار

وهم الذين يقولون إن الإمام بعد الحسن العسكري ولده محمد بن الحسن العسكري وهو غائب وسيحضر وهو المذهب الذي عليه إمامية زماننا هذا فإنهم يقولون اللهم صلى على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء وخديجة الكبرى والحسن الزكي والحسين الشهيد بكربلا وزين العابدين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي التقي وعلي بن محمد النقي والحسن بن علي ومحمد بن الحسن العسكري الإمام القائم المنتظر. والإمامية يزعمون أن المعصومين منهم أربعة عشر وأن الأئمة اثنا عشر وهم يكفرون الصحابة رضي الله عنهم ويقولون إن الخلق قد كفروا بعد النبي ﷺ إلا عليا وفاطمة والحسن والحسين والزبير وعمارا وسلمان وأبا ذر ومقدادا وبلالا وصهيبا وهذا الذي ذكرناه في الإمامية قطرة من بحر لأن بعض الروافض قد صنف كتابا وذكر فيه ثٰلثا وسبعين فرقة من الإمامية

وأما الغلاة منهم فهم فرق كثيرة

الفرقة الأولى السبابية

أتباع عبد الله بن سبا وكان يزعم أن عليا هو الله تعالى وقد أحرق علي رضي الله عنه منهم جماعة وقال

إني إذا رأيت أمرا منكرا ** أججت نارا ودعوت قبرا

الثانية البنانية

أصحاب بنان بن إسماعيل الهندي ويزعمون أن الله تعالى حل في علي رضى وأولاده وأن أعضاء الله تعالى تعدم كلها ما خلا وجهه لقوله تعالى كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام

الثالثة الحطابية

وهم يزعمون أن الله تعالى حل في علي ثم في الحسن ثم في الحسين ثم في زين العابدين ثم في الباقر في الصادق وتوجه هؤلاء إلى مكة في زمن جعفر الصادق وكانوا يعبدونه فلما سمع الصادق بذلك فأبلغ ذلك أبا الخطاب وهو رئيسهم فزعم أن الله تعالى قد انفصل عن جعفر وحل فيه وأنه هو أكمل من الله تعالى ثم إنه قتل

الرابعة المغيرية

أتباع مغبرة بن سعيد العجلي ادعى الإلهية ثم أحرقوا بالنفط والنار

الخامسة المنصورية

أتباع أبي منصور العجلي وكانوا على مقالة المغيرية وزادوا عليهم بأن أباحوا الزنا واللواطة ثم إنهم قتلوا

السادسة الجناحية

أتباع عبد الله بن الجناحين كانوا يزعمون أن المعرفة إذا حصلت لم يبق شيء من الطاعات واجبة

السابعة المفوضية

وهم قوم يزعمون أن الباري تعالى خلق روح علي وأرواح أولاده وفوض العالم إليهم فخلقوا هم الأرضين والسموات قالوا ومن ههنا قلنا في الركوع سبحان ربي العظيم وفي السجود سبحان ربي الأعلى لأن الإله هو علي وأولاده وأما الإله الأعظم فهو الذي فوض إليهم العالم

الثامنة الغرابية

قالوا علي بمحمد أشبه من الغراب بالغراب وقالوا إن الله تعالى أرسل جبريل إلى علي فغلط جبريل وأدى الرسالة إلى محمد لتأكد المشابهة بين علي ومحمد عليه السلام

التاسعة

وهم يزعمون أن جبريل عليه السلام أزاغ الرسالة عن علي إلى محمد عمدا وقصدا لا غلطا وسهوا وهؤلاء يسيئون القول في جبريل عليه السلام

العاشرة وهم يزعمون أن جبريل عليه السلام أزاغ الرسالة إلى علي لكن محمدا كان أكبر سنا من علي فاستعان علي به ثم إن محمدا استقل بالأمر ودعى الخلق إلى نفسه وهؤلاء يسيئون القول في النبي عليه السلام

الحادي الحادية عشرة الكاملية

أتباع أبي كامل وهم يزعمون أن الصحابة كلهم كفروا لما فوضوا الخلافة إلى أبي بكر وكفر علي أيضا حيث لم يحارب أبا بكر

الثانية عشرة النصيرية وهم يزعمون أن الله تعالى كان يحل في علي في بعض الأوقات وفي اليوم الذي قلع علي باب خيبر كان الله تعالى قد حل فيه

الثالثة عشرة الأسجافية وهم على هذه المقالة وهذه الطائفة باقية في حلب وفي نواحي الشام إلى يومنا هذا

الرابعة عشرة الأزلية وهم يزعمون أن عليا قديم أزلى وكذلك عمر بن الخطاب أيضا قديم أزلي إلا أن عليا كان خيرا محضا وعمر كان شرا محضا وكان يؤذي عليا دائما وكأنهم اقتبسوا هذه المقالة من المجوس

الخامسة عشرة الكيالية أتباع أحمد الكيال الملحد وقد كان ضالا مضلا وقد صنف كتبا في الضلالة والترهات

الكيسانية

وهم الذين يقولون إن الإمامة كانت حقا لمحمد بن الحنفية وهؤلاء الطائفة يفترقون فرقا

الأولى الكربية أتباع أبي كرب الضرير وهم يزعمون أن الإمام من بعد علي هو محمد بن الحنفية وهو حي لم يمت ومأواه رضوى وعن يمينه أسد وعن يساره نمر وكان السيد الحميري الشاعر وكثر الشاعر ! على هذا الرأي

الثانية المختارية أتباع المختار بن أبي عبيد الثقفي وهم يقولون إن الإمام بعد الحسين هو محمد بن الحنفية ثم زعم المختار أنه نائب محمد ودعى الخلق إلى الضلالة وأراد محمد أن يقصد نحوه ويمنعه عن ذلك فلما علم المختار إنه يريد قصده صعد المنبر وقال يا قوم قد ذكر أن إمامكم قد قصد نحوكم ومن إمارات الإمام أن لا يؤثر فيه السيف فإذا أتى فجربوا هذا فلما بلغ ذلك محمدا وأنه قد قصد بذلك قتله هرب

الثالثة الهاشمية وهم يزعمون أن الإمام بعد محمد هو أبو هاشم عبد الله بن محمد وهم يقولون إنه قد مات وأوصى بالخلافة إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ولما بلغ هؤلاء القوم إلى خرسان ودعوا الخلق إلى هذه المقالة كان أبو مسلم صاحب الدعوة حاضرا فقبل تلك الدعوة ولا جرم أنه لما استفحل أمره دعا الخلق إلى بني العباس وانتزع الخلافة من بني أمية وجعلها فيهم

الرابعة الروندية أتباع أبي هديدة الروندي وهم يزعمون أن الأمامة كانت أولا حقا للعباس

وفرق الكيسانية كثيرة وفي هذا القدر الذي ذكرناه كفاية

اعلم أن اليهود أكثرهم مشبهة وكان بدؤ ظهور التشبيه في الإسلام من الروافض مثل بنان بن سمعان الذي كان يثبت لله تعالى الأعضاء والجوارح وهشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي ويونس بن عبد الرحمن القمي وأبو جعفر الأحول الذي كان يدعى شيطان الطاق وهؤلاء رؤساء علماء الروافض ثم تهافت في ذلك المحدثون ممن لم يكن لهم نصيب من علم المعقولات ونحن نذكر فرقهم على الترتيب

الحكمية وهم أصحاب هشام بن الحكم وكان يزعم أن الله تعالى جسم وغير مذهبه في سنة واحدة عدة تغيرات فزعم تارة أن الله تعالى كالسبيكة الصافية وزعم مرة أخرى أنه كالشمع الذي من أي جانب نظرت اليه كان ذلك الجانب وجهه واستقر رأيه عاقبة الأمر على أنه سبعة أشياء لأن هذا المقدار أقرب إلى الاعتدال من سائر المقادير

الثانية الجواليقية أتباع هشام بن سالم الجواليقي الرافضي وهم يزعمون أنه تعالى ليس بجسم لكن صورته صورة الآدمي وهو مركب من اليد والرجل والعين لأن أعضاءه ليست من لحم ولا دم

الثالة اليونسية أتباع يونس بن عبد الرحمن القمي وهم يزعمون أن النصف الأعلى من على من الله مجوف وأن النصف الأدنى منه مصمت

الرابعة الشيطانية أتباع شيطان الطاق وهم يزعمون أن الباري تعالى مستقر على ا لعرش والملائكة يحملون العرش وهم وإن كانوا ضعفاء بالنسبة إلى الله تعالى لكن الضعيف قد يحمل القوي كرجل الديك التي تحمل مع دقتها جثة الديك

الخامسة الحوارية أصحاب داود الحواري وهو يثبت الأعضاء والحركة والسكون والسعي لله تعالى وكان يقول سلوني عن شرح سائر أعضائه تعالى ما عدا شرح فرجه ولحيته

فصل

اعلم أن جماعة من المعتزلة ينسبون التشبيه إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وإسحق بن راهويه ويحيى بن معين وهذا خطأ فإنهم منزهون في اعتقادهم عن التشبيه والتعطيل لكنهم كانوا لا يتكلمون في المتشابهات بل كانوا يقولون آمنا وصدقنا مع أنهم كانوا يجزمون بأن الله تعالى لا شبيه له وليس كمثله شيء ومعلوم أن هذا الاعتقاد بعيد جدا عن التشبيه

الباب الخامس في فرق الكرامية

وهم أتباع ابي عبد الله محمد بن كرام وكان من زهاد سجستان واغتر جماعة بزهده ثم اخرج هو وأصحابه من سجستان فساروا حتى انتهوا إلى غرجة فدعوا أهلها إلى اعتقادهم فقبلوا قولهم وبقى ذلك المذهب في تلك الناحية وهو فرق كثيرة على هذا التفصيل

الطرايقة الأسحاقية الحماقية العابدية اليونانية السورمية الهيصمية وأقربهم الهيصمية وفي الجملة فهم كلهم يعتقدون أن الله تعالى جسم وجوهر ومحل للحوادث ويثبتون له جهة ومكانا إلا أن العابدية يزعمون أن البعد بينه وبين العرش متناه والهيصمية يقولون إن ذلك البعد غير متناه ولهم في الفروع أقوال عجيبة ومدار امرهم على المخرقة والتزوير وإظهار التزهد ولأبي عبد الله بن كرام تصانيف كثيرة إلا أن كلامه في غاية الركة والسقوط

الباب السادس في فرق الجبرية

وهم يزعمون أن العبد ليس قادرا على فعله والمعتزلة يسمون أصحاب هذا الرأي الجبرية والمجبرة وهذا خطأ لأنا لا نقول إن العبد ليس بقادر بل نقول إنه ليس خالقا

الفرقة الأولى من الجبرية الجهمية أصحاب جهم بن صفوان وكان رجلا من ترمد وكان من قوله إن العبد ليس قادرا البتة وكان يقول إن الله تعالى محدث ولم يطلق على الله تعال اسم الموجود والشيء

الثانية النجارية أتباع حسين بن محمد النجار وهم يوافقون المعتزلة في مسائل الصفات والقرآن والرؤية ويوافقون الجبرية في خلق الأعمال والاستطاعة وهؤلاء فرق كثيرة

البرعوسية والزعفرانية والمستدركية والحفصية

الثالثة الضرارية أتباع ضرار بن عمرو الكوفي وكان في بدو أمره تلميذا لواصل بن عطاء ثم خالفه في خلق الأعمال وإنكار عذاب القبر ثم زعم أن الإمامة بغير القرشيين أولى منها بالقرشي

الرابعة البكرية أتباع بكر ابن أخت عبد الواحد وهم يزعمون أن الأطفال والبهائم لا يحسون بالألم وهذا الكلام على خلاف ما عرف بضرورة العقل

الباب السابع في المرجئية

الأولى أتباع يونس بن عون وهم يقولون إن الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان

الثانية الغسانية أتباع غسان الحرمي وهم يقولون إن الإيمان غير قابل للزيادة والنقصان وكل قسم من الإيمان فهو إيمان

الثالثة اليومية وهم يزعمون أنه لا يضر مع الإيمان معصية ما وأن الله تعالى لا يعذب الفاسقين من هذه الأمة

الرابعة الثوبانية أتباع ثوبان بن وهم يزعمون أن العصاة من المسلمين يلحقهم على الصراط شيء من حرارة جهنم لكنهم لا يدخلون جهنم أصلا

الخامسة الخالدية أتباع خالد وهم يقولون ان الله تعالى يدخل العصاة نار جهنم لكنه لا يتركهم فيها بل يخرجهم ويدخلهم الجنة

وأما مذهب أهل السنة والجماعة في هذ الباب فهو أنا نقطع بأن الله تعالى سيعفو عن بعض الفساق لكنا لا نقطع على شخص معين من الفساق بأن الله لا بد وأن يعفو عنه ويعلم أنه لا يعاقب أحدا من الفساق دائما

الباب الثامن في أحوال الصوفية

اعلم أن أكثر من قص فرق الأمة لم يذكر الصوفية وذلك خطأ لأن حاصل قول الصوفية ولأن الطريق إلى معرفة الله تعالى هو التصفية والتجرد من العلائق البدنية وهذا طريق حسن وهم فرق

الأولى أصحاب العبادات وهم قوم منتهى أمرهم وغايته تزيين الظاهر كلبس الخرقة وتسوية السجادة

الثانية أصحاب العبادات وهم قوم يشتغلون بالزهد والعبادة مع ترك سائر الأشغال

الثالثة أصحاب الحقيقة وهم قوم إذا فرغوا من أداء الفرائض لم يشتغلوا بنوافل العبادات بل بالفكر وتجريد النفس عن العلائق الجسمانية وهم يجتهدون أن لا يخلوا سرهم وبالهم عن ذكر الله تعالى وهؤلاء خير فرق الآدميين

الرابعة النورية وهم طائفة يقولون إن الحجاب حجابان نوري وناري أما النوري فالاشتغال باكتساب الصفات المحمودة كالتوكل والشوق والتسليم والمراقبة والأنس والوحدة والحالة أما الناري فالاشتغال بالشهوة والغضب والحرص والأمل لأن هذه الصفات صفات نارية كما أن أبليس لما كان ناريا فلا جرم وقع في الحسد

الخاسمة الحلولية وهم طائفة من هؤلاء القوم الذين ذكرناهم يرون في أنفسهم أحوالا عجيبة وليس لهم من العلوم العقلية نصيب وافر فيتوهمون أنه قد حصل لهم الحلول أو الاتحاد فيدعون دعاوى عظيمة وأول من أظهر هذه المقالة في الإسلام الروافض فإنهم ادعوا الحلول في حق أئمتهم

السادسة المباحية وهم قوم يحفظون طامات لا أصل لها وتلبيسات في الحقيقة وهم يدعون محبة الله تعالى وليس لهم نصيب من شيء من الحقائق بل يخالفون الشريعة ويقولون إن الحبيب رفع عنه التكليف وهو الأشر من الطوائف وهم على الحقيقة على دين مزدك كما سنذكر بعد هذا

ذكر بعض فرق الإسلامية

سؤال فإن قيل إن هذه الطوائف التي عددتهم أكثر من ثلث وسبعين ورسول الله عليه السلام لم يخبر بأكثر فكيف ينبغي أن يعتقد في ذلك

والجواب عن هذا أنه يجوز أن يكون مراده ع م من ذكر الفرق الفرق الكبار وما عددنا من الفرق ليست من الفرق العظيمة وأيضا فإنه أخبر أنهم يكونون على ثلث وسبعين فرقة لم يجز أن يكونوا أقل وأما إن كانت أكثر فلا يضر ذلك كيف ولم نذكر في هذا المختصر كثيرا من الفرق المشهورة ولو ذكرناها كلها مستقصاة لجاز أن يكون اضعاف ما ذكرنا بل ربما وجد في فرقة واحدة من فرق الروافض وهم الإمامية ثلاث وسبعون فرقة ولما أشرنا إلى بعض الفرق الإسلامية فلنشر إلى بعض الفرق الخارجية عن الإسلام

الباب التاسع في الذين يتظاهرون بالإسلام وإن لم يكونوا مسلمين

وفرق هؤلاء كثيرة جدا إلا أننا نذكر الأشهر منهم

فالفرقة الأولى الباطنية

اعلم أن الفساد اللازم من هؤلاء على الدين الحنيفي أكثر من الفساد اللازم عليه من جميع الكفار وهم عدة فرق ومقصودهم على الإطلاق إبطال الشريعة بأسرها ونفي الصانع ولا يؤمنون بشيء من الملل ولا يعترفون بالقيمة إلا أنهم لا يتظاهرون بهذه الأشياء إلا بالآخرة ونحن نشير إلى ابتداء أمرهم فنقول

نقل أنه كان رجل أهوازى يقال له عبد الله بن ميمون القداح وكان من الزنادقة فذهب إلى جعفر الصادق وكان في أكثر الأوقات في خدمة ولده إسماعيل فلما مات إسماعيل لزم خدمة ولده محمد بن أسماعيل ثم أنه سافر مع محمد بن إسماعيل إلى مصر فمات محمد بن إسماعيل ولم يكن له ولد إلا أن جاريته كانت حملت منه وكانت لعبد الله بن ميمون أيضا جارية قد حملت منه فقتل عبد الله جارية محمد بن إسماعيل فلما ولدت الجارية قال الناس إنه قد ولد لمحمد بن أسماعيل بن ولما كبر الابن علمه الزندقة وقال للناس إن الامامة صارت من محمد إلى ابنه هذا وقد وجب عليكم طاعته وساعده على ذلك بقية من أولاد ملوك العجم من المجوس لما كان في قلوبهم من عداوة الدين للمسلمين وأضلوا بذلك خلقا كثيرا واستولى من ذلك القبيل جماعة من المغرب ومصر واسكندرية وانتشرت دعاويهم في البلاد وأول تملك منهم بمصر المهدي ثم القائم ثم لما كان في زمن المستنصر سار اليه الحسن بن صباح وأخذ منه إجازة الدعوة ورجع إلى بلاد العجم وأضل خلقا كثيرا وإن كانت شجرة ملوك مصر قد انقطعت في زماننا إلا أن فتنة الحسن بن صباح قائمة بعد ولنشرع في ذكر بعض فرقهم

الأولى الصباحية

وهم أتباع الحسن بن صباح واعتمادهم في سائر المسائل على هذه النكتة وهي أن العقل إن كان كافيا فليس لأحد أن يعترض الآخر وإن لم يكن كافيا فلا بد من إمام والجواب أن نقول إن كان العقل غير محتاج اليه فكيف يميز المحق من المبطل بينهم وإن كان محتاجا اليه فلا بد حاجة إلى الإمام ثم نقول هب أن الإمام محتاج اليه فأين ذلك الإمام ومن هو لأن الذي ينصون عليه بالإمامة في غاية الجهل لأن أمراء مصر الذين كانت دعوة الباطنية كان أكثرهم جهلا فساقا

الثانية الناصرية وهم أتباع ناصر بن خسرو وقد كان شاعرا وضل بسببه خلق كثير

الثالثة القرامطية أتباع حمدان القرمطي وكان رجلا متواريا صار اليه أحد دعاة الباطنية ودعوه إلى معتقدهم فقبل الدعوة ثم صار يدعو الناس اليها وضل بسببه خلق كثير واجتمع منهم قوم وقطعوا الطريق على الحج وقتلوهم وأرادوا أن يخربوا مكة فدفع الله تعالى شرهم وقتلوا عاقبة الأمر

الرابعة البابكية أتباع بابك وهو رجل من أذربانجان اشتدت شوكته على طول الدهر وأظهر الإلحاد واجتمع عليه خلق كثير وكان في زمن المعتصم وأسروه بعد محاربات عظيمة واندفع شره

الخامسة المقنعية أتباع مقنع وكان من أصحاب أبي مسلم صاحب الدعوة وادعى بعده النبوة وعظم أمره واجتمع عليه خلق كثير ثم ادعى الألوهية وقتل عاقبةالأمر

السادسة السبعية وهم يقولون أن الدور التام سبعة بدليل أن السموات والآرضين سبع وأيام الأسبوع سبع والأعضاء سبع ثم قالوا والدور التام للأنبياء ايضا سبعة فالأول آدم عليه السلام ووصيه شيث والثاني نوح ووصيه سام والثالث أبراهيم ع م ووصيه إسماعيل وإسحق الرابع موسى ع م ووصيه هارون الخامس عيسى عليه السلام ووصيه شمعون السادس محمد عليه السلام ووصيه علي رضي الله عنه والإمام الأول علي والثاني الحسن والثالث الحسين والرابع زين العابدين والخامس محمد الباقر والسادس جعفر الصادق والسابع إسماعيل بن جعفر والمقصود من البعثه والرساله هو أن يلحق الجثمانيون من نوع من الأنس بالروحانيين فلما انتهت النبوة من الإبن إلى محمد بن إسماعيل ارتفع التكليف الظاهر من الناس فبهذا الطريق يخرجون الخلق من الشريعة وعلى الحقيقة إن جميع ما يذكرون من هذا الجنس فإنما يذكرونه من طريق التلبيس وذلك بأنهم لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بالإمام ولكنهم يضلون الخلق بهذا الطريق

الباب العاشر في شرح الفرق الذين هم خارجون على الإسلام بالحقيقة وبالاسم

وهذا الباب مرتب على ستة فصول

الفصل الأول في شرح فرق اليهود

وهم متفقون على أن النسخ غير جائز وكلهم يؤمنون بموسى عليه السلام وهارون ويوشع وأكثرهم يؤمنون بالأنبياء الذين جاؤا بتقرير شرع موسى ع م وبعضهم ينكر ذلك والأغلب عليهم التشبيه وهم فرق كثيره إلا أنا نذكر الأشهرين منهم

الأولى العنانية

أتباع عنان بن داود ولا يذكرون عيسى بسوء بل يقولون إنه كان من أولياء الله تعالى وإن لم يكن نبيا وكان قد جاء لتقرير شرع موسى عليه السلام والإنجيل ليس بكتاب له بل الإنجيل كتاب جمعه بعض تلاميذه

الثانية العبسوية أتباع أبي عيسى بن يعقوب الأصفهاني وهم يثبتون نبوة محمد عليه السلام يقولون هو رسول الله إلى العرب لا إلى العجم ولا إلى بني اسرائيل

الثالثة المعادية أتباع رجل من همدان وهم في اليهود كالباطنية في المسلمين

الرابعة السامرية وهم لا يؤمنون بنبي غير موسى وهارون ولا بكتاب غير التورية وما عداهم من اليهود يؤمنون بالتورية وغيرها من كتب الله تعالى وهي خمس وعشرون كتابا ككتاب اشعيا وارميا وحزقيل

الفصل الثاني في شرح أحوال النصارى

وهم فرق عظيمة منهم خمس

الملكانية وهم يقولون إن اتحاد الله تعالى بعيسى كان باقيا حالة صلبه

الثالثة اليعقوبية وهم يقولون إن روح الباري اختلط ببدن عيسى عليه السلام اختلاط الماء باللبن

الرابعة الفرفوريوسية وهم أتباع فوفوريوس الفيلسوف وقد أخرج أكثر دين النصارى على قواعد الفلسفة

الخامسة الأرمنوسية بقولون أن الله تعالى دعا عيسى ابنا على سبيل التشريف

الفصل الثالث في فرق المجوس

الأولى الرزادشتية

أتباع زرادشت وهو رجل من أهل اذربيجان ظهر في أيام بشتاسف بن لهراسف وادعى النبوة فآمن به بشتاسف وأظهر اسبديار بن بشتاسف دين زرادشت في العالم وبين المجوس خلاف كثير إلا أن الكل يتفقون على أن الله تعالى حارب مع الشيطان ألوف سنين ولما طال الأمر توسطت الملائكة بينه وبين الشيطان على أن الله تعالى يسلم العالم إلى الشيطان سبعة آلاف سنة يحكم ويفعل ما يريد وبعد ذلك عهد أن يقتل الشيطان ثم أخذت الملائكة سيفهما منهما وقرروا بينهما أنه من خالف منهما ذلك العهد قتل بسيفه وكان هذا الكلام غير لائق بالعقلاء لكن المجوس متفقون على ذلك

فصل في الثنوية

وهم أربع فرق الفرقة الأولى المانوية أتباع ماني وقد كان رجلا نقاشا خفيف اليد ظهر في زمن سابور بن ازدشير بن بابك وادعى النبوة وقال إن للعالم أصلين نور وظلمة وكلاهما قديمان فقبل سابور قوله فلما انتهت نوبة الملك إلى بهرام أخذ ماني وسلخه وحشا بجلده تبنا وعلقه وقتل أصحابه إلا من هرب والتحق بالصين ودعوا إلى دين ماني فقبل أهل الصين منهم وأهل الصين إلى زماننا هذا على دين ماني

الثانية الريصانية

وهم يقولون بالنور والظلمة أيضا والفرق بينهم وبين المانوية يقولون إن النور والظلمة حيان والديصانية يقولون إن النور حي والظلمة ميتة

الثالثة المرتونية وهم يثبتون متوسطا بين النور والظلمة ويسمون ذلك المتوسط المعدل

الرابعة المزدكية اتباع مزدك بن نامدان كان موبذ موبذان في زمن قباذ ! بن فيروز والد أنو شروان العادل ثم ادعى النبوة وأظهر دين الإباحة وانتهى أمره إلى أن ألزم قباذ إلى أن يبعث إمرأته ليمتع بها غيره فتأذى أنو شروان من ذلك الكلام غاية التأذي وقال لوالده اترك بيني وبينه لأناظره فإن قطعني طاوعته وإلا قتلته فلما ناظر مع أنوشروان انقطع مزدك وظهر عليه أنوشروان فقتله وأتباعه وكل من هو على دين الإباحة في زماننا هذا فهم بقية اولئك القوم

الفصل الخامس في الصبائية

قوم يقولون إن مدبر هذا العالم وخالقه هذه الكواكب السبعة والنجوم فهم عبدة الكواكب ولما بعث الله أبراهيم ع م كان الناس على دين الصبائية فاستدل إبراهيم ع م عليهم في حدوث الكواكب كما حكى الله تعالى عنه في قوله لا أحب الآفلين واعلم أن عبادة الأصنام أحدث من هذا الدين لأنهم كانوا يعبدون النجوم عند ظهورها ولما أرادوا أن يعبدوها عند غروبها لم يكن لهم بد من أن يصوروا الكواكب صورا ومثلا فصنعوا أصناما واشتغلوا بعبادتها فظهر من ههنا عبادة الكواكب

الفصل السادس في أحوال الفلاسفة

مذهبهم أن العالم قديم وعلته مؤثرة بالإيجاب وليست فاعله بالاختيار وأكثرهم ينكرون علم الله تعالى وينكرون حشر الأجساد وكان أعظمهم قدرا ارستطاليس وله كتب كثيرة ولم ينقل تلك الكتب أحد أحسن مما نقله الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا الذي كان في زمن محمود بن سبكتكين وجميع الفلاسفة يعتقدون في تلك الكتب اعتقادات عظيمة وكنا نحن في ابتداء اشتغالنا بتحصيل علم الكلام تشوقنا إلى معرفة كتبهم لنرد عليهم فصرفنا شطرا صالحا من العمر في ذلك حتى وفقنا الله تعالى في تصنيف كتب تتضمن الرد عليهم ككتاب نهاية العقول وكتاب المباحث المشرقية وكتاب الملخص وكتاب شرح الإشارات وكتاب جوابات المسائل البخارية وكتاب البيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان وكتاب المباحث العمادية في المطالب المعادية وكتاب تهذيب الدلائل في عيون المسائل وكتاب إشارة النظار إلى لطائف الاسرار وهذه الكتب بأسرها تتضمن شرح أصول الدين وإبطال شبهات الفلاسفة وسائر المخالفين وقد اعترف الموافقون والمخالفون أنه لم يصنف أحد من المتقدمين والمتأخرين مثل هذه المصنفات وأما المصنفات الأخر التي صنفناها في علم آخر فلم نذكرها هنا ومع هذا فإن الأعداء والحساد لا يزالون يطعنون فينا وفي ديننا مع ما بذلنا من الجد والإجتهاد في نصرة اعتقاد أهل السنة والجماعة ويعتقدون أني لست على مذهب أهل السنة والجماعة وقد علم العالمون أنه ليس مذهبي ولا مذهب أسلافي إلا مذهب أهل السنة والجماعة ولم تزل تلامذتي ولا تلامذة والدي في سائر أطراف العالم يدعون الخلق إلى الدين الحق والمذهب الحق وقد أبطلوا جميع البدع وليس العجب من طعن هؤلاء الأضداد الحساد بل العجب من الأصحاب والأحباب كيف قعدوا عن نصري والرد على أعدائي ومن المعلوم أنه لا يتيسر شيء من الأمور إلا بالمعاونه والمساعدة ولو أمكن ذلك من غير مساعدة لما كان كليم الله موسى ع م بن عمران أن مع حججه الباهرة وبراهينه القاهرة يقول مخاطبا للرب سبحانه وتعالى أرسله معي ردءا يصدقني يسر الله لنا ولكم التوفيق إلى الخيرات وصاننا عما يكون في الدنيا والعقبى سببا لاستحقاق العقوبات بمنه ولطفه والسلام

والحمد لله وحده وصلواته على النبي المصطفى محمد وآله وصحبه وسلم

تمت الرسالة والحمد لله وحده

المقدمة

الباب الأول في شرح فرق المعتزلة

الباب الثاني في شرح فرق الخوارج

الباب الثالث الروافض

فصل

الباب الخامس في فرق الكرامية

الباب السادس في فرق الجبرية

الباب السابع في المرجئية

الباب الثامن في أحوال الصوفية

ذكر بعض فرق الإسلامية

الباب التاسع في الذين يتظاهرون بالإسلام وإن لم يكونوا مسلمين

الباب العاشر في شرح الفرق الذين هم خارجون على الإسلام بالحقيقة وبالاسم

إلقام الحجر لمن زكى ساب أبي بكر وعمر إلقام الحجر لمن زكى ساب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما للحافظ جلال الدين السيوطي

إلقام الحجر لمن زكى ساب أبي بكر وعمر إلقام الحجر لمن زكى ساب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما للحافظ جلال الدين السيوطي
بسم الله الرحمن الرحيم



وبه ثقتي

أما بعد حمد الله، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه، فقد سمعت من بعض المبتدئين: أن سابَّ الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما تقبل شهادته، فهالني ذلك جدا ونهيته عن ذلك فما أفاد ولا أجدى، فوضعت هذه الرسالة إرشادا للمسلمين، ونصيحة للدين، ونقلت ما لأئمتنا في ذلك من مقال ونزلت ما أُوهِم خلافه على أحسن الأحوال، ورتبتها على فصول.
الفصل الأول: فيما ورد في فضلهما

[1] قال الله تعالى: { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه } [ التوبة 40]

قال المفسرون: المنزل عليه السكينة أبو بكر، لأن النبي ﷺ ما زالت عليه السكينة.

[2] وقال تعالى { وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى } قال المفسرون: هي نازلة في أبي بكر رضي الله عنه.

[3] وعن أنس عن أبي بكر رضي الله عنهما قال: قلت للنبي ﷺ وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا قال: « ما ظنك باثنين الله ثالثهما » أخرجه البخاري ومسلم.

[4] وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال. قلت يا رسول الله: أيُُّ الناس أحب إليك؟ قال: « عائشة » فقلت: من الرجال؟ قال: « أبوها » قلت: ثم من؟ قال: « عمر بن الخطاب »، [فعد رجالا]. أخرجاه.

[5] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب، فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي، فالتفت إليه الذئب، فقال: من لها يوم السبع يوم ليس لها راع غيري، وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه فكلمته فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني خلقت للحرث » قال الناس: سبحان الله. قال النبي ﷺ « فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر » أخرجاه وفي رواية لهما: « وما ثم أبو بكر وعمر » أي لم يكونا في المجلس، فشهد لهما بالإيمان بذلك لعلمه بكمال إيمانهما.

[6] وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي ﷺ صعد أحدا، وأبو بكر وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال: « اثبت أحد، فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان ».

[7] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي ﷺ، فنخير أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان. ( أخرجه البخاري ) زاد الطبراني: فنعلم بذلك النبي ﷺ، ولا ينكره.

[8] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « اقتدوا بالذينِ من بعدي، أبو بكر وعمر ».

[9] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ « ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء: فجبريل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الأرض: فأبو بكر وعمر » ( رواه الترمذي وحسنه ).

[10] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ لأبي بكر وعمر: « هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين » رواه الترمذي وحسنه.

[11] وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه سمعت رسول الله ﷺ يقول: « أبو بكر وعمر في الجنة » الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة، وقال الترمذي حسن صحيح.

[12] وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أ فق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما » رواه الترمذي وحسنه.

[13] وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ: كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس فيهم أبو بكر وعمر ولا يرفع إليه أحد منهم بصره، إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه، وينظر إليهما، ويبتسمان إليه، ويبتسم إليهما. رواه الترمذي.

[14] وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ خرج ذات يوم، فدخل المسجد وأبو بكر وعمر أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وهو آخذ بأيديهما، وقال: هكذا نبعث يوم القيامة. رواه الترمذي.

[15] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال عمر لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله ﷺ، فقال أبو بكر: أما إنك قلت ذلك، فلقد سمعت رسول الله ﷺ يقول ( ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر) رواه الترمذي.

[16] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ «أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر، ثم عمر » رواه الترمذي وحسنه.

[17] وعن عبد الله بن حنطب رضي الله عنه أن النبي ﷺ، رأى أبا بكر وعمر، فقال « هذان السمع والبصر » رواه الترمذي وحسنه.

[18] وعن أبي أروى الدوسي رضي الله عنه قال: كنت عند النبي ﷺ فأقبل أبو بكر وعمر، فقال: « الحمد لله الذي أيدني بكما » رواه البزار في مسنده.

[19] وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ « أتاني جبريل آنفا، فقلت حدثني بفضائل عمر بن الخطاب [في السماء]. فقال: يا محمد، لو حدثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر لحسنة من حسنات أبي بكر » رواه أبو يعلى في مسنده.

[20] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله ﷺ الناس فقال: « إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله » فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه، أن يخبر رسول الله ﷺ عن عبد خيّر، فكان رسول الله ﷺ هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا به. أخرجه الشيخان.

[21] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: « إن من أمن الناس عليَّ في صحبته وماله: أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي، لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوَّة الإسلام ومودته، لا تبقين في المسجد باب سدَّ إلا باب أبي بكر » أخرجه البخاري.

[22] وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه (عن أبيه) قال: أتت امرأة إلى النبي ﷺ فأمرها أن ترجع إليه قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك – كأنها تقول الموت – قال: « إن لم تجديني فأت أبا بكر » أخرجاه.

[23] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال كنت جالسا عند النبي ﷺ، إذ أقبل أبو بكر، فسلم وقال إني كان بيني وبين عمر بن الخطاب شئ، فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى عليَّ، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر، ثلاثا. ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبا بكر، فقال: أثم أبو بكر. فقالوا: لا، فأتى النبي ﷺ، فجعل وجه النبي ﷺ يتمعر، حتى أشفق أبو بكر، فجثى على ركبتيه، فقال: والله أنا كنت أظلم مرتين. فقال النبي ﷺ: « إن الله بعثني إليكم، فقلتم كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي، مرتين » فما أوذي بعدها. رواه البخاري.

[24] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: « من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة » فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال رسول الله ﷺ: « إنك لست تصنع ذلك خيلاء » رواه البخاري.

[25] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: « من أنفق زوجين من شئ من الأشياء في سبيل الله، دعي من ذلك من أبواب الجنة، يا عبد الله: هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان » فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة. وقال: هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله قال: « نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر » أخرجه الشيخان.

[26] وعن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول الله ﷺ قال: رأيت عقبة بن أبي مُعَيْط جاء إلى النبي ﷺ وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه، فخنقه به خنقا شديدا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه: فقال « أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم » رواه البخاري.

[27] وعن علي رضي الله عنه أنه قال: أيها الناس أخبروني من أشجع الناس؟ قالوا: قلنا أنت يا أمير المؤمنين، قال: أما إني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه. ولكن أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا: لا نعلم. فمما قال: أبو بكر، إنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله ﷺ عريشا، فقلنا: من يكون مع رسول الله ﷺ لئلا يهوي إليه أحد من المشركين، فوالله ما دنى منا أحد إلا وأبو بكر شاهرا بالسيف على رأس رسول الله ﷺ ما يُهوي إليه أحد إلا أهوى إليه، فهذا أشجع الناس. فقال عليٌّ: ولقد رأيت رسول الله ﷺ، وأخذته قريش، فهذا يجأه وهذا يتلتله، وهم يقولون: أنت الذي جعل الآلهة إلها واحدا؟ قال: والله ما دنى منا أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا ويجأ هذا ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم { أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله } ثم رفع علي بردة كانت عليه، فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم، فقال: لا تجيبوني، فوالله لساعة من أبي بكر خير من مثل مؤمن آل فرعون. ذلك رجل كتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه. رواه البزار.

[28] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ في مرضه: « ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر » رواه مسلم.

[29] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: مرض النبي ﷺ، فاشتد مرضه، فقال: « مروا أبا بكر فليصل بالناس » قالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق القلب إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، فقال: « مري أبا بكر فليصل بالناس » فعادت، فقال: « مري أبا بكر فليصل بالناس » فعادت فقال: « مري أبا بكر فليصل بالناس، إنكن صواحب يوسف » فأتاه الرسول، فصلى بالناس في حياة رسول الله ﷺ. رواه الشيخان.

[30] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي » رواه أبو داود.

[31] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: « أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله ﷺ » رواه الترمذي وحسنه.

[32] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « ما لأحد عندنا يدٌ إلا و كافأناه، إلا أبو بكر، فإن له عندنا يد ا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط، ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن صاحبكم خليل الله » رواه الترمذي وحسنه.

[33] وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال لأبي بكر: « أنت صاحبي على الحوض، وصاحبي في الغار » رواه الترمذي وحسنه.

[34] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: « أمرنا رسول الله ﷺ أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله ﷺ: « ما أبقيت لأهلك »؟ قلت مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: « يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك » قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: والله لا أسبقه بشيء أبدا. رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح.

[35] وعن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر دخل على رسول الله ﷺ فقال: « أنت عتيق الله من النار » فيومئذ سمي عتيقا. رواه الترمذي، وأخرجه البزار بمثله من حديث عبد الله بن الزبير.

[36] وعنها قالت: قال رسول الله ﷺ: « لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره » رواه الترمذي.

[37] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: « لما عرج بي إلى السماء، ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوبا: محمد رسول الله، أبوبكر الصديق » رواه البزار.

[38] وعن أسيد بن صفوان قال: لما توفي أبوبكر سجِّيَ بثوب، فارتجت المدينة بالبكاء، ودهش الناس، كيوم قبض رسول الله ﷺ، وجاء علي بن أبي طالب مسرعا مسترجعا، وهو اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر، فقال: رحمك الله يا أبا بكر، كنت أول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله، وأعظمهم غنى، وأحفظهم على رسول الله ﷺ، وأحدبهم على الإسلام، وآمنهم على أصحابه، وأحسنهم صحبة، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله ﷺ، وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا، وأوثقهم عنده، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله ﷺ وعن المسلمين خيرا. رواه البزار.

[39] وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ « إن الله عز وجل يكره أن يخطأ أبو بكر الصديق في الأرض » رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده.

[40] وعن عمر رضي الله أنه قال: وددت أني شعرة في صدر أبي بكر. رواه مسدد في مسنده.

[41] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ « بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا القصر؟ قالوا لعمر، فذكرت غيرتك، فوليت مدبرا فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله » رواه البخاري.

[42] وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: « بينما أنا نائم شربت يعني اللبن حتى أنظر إلى الري يجري في أظفاري، ثم ناولته عمر » فقالوا فما أولته يا رسول الله قال: « العلم » رواه الشيخان.

[43] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: « رأيت الناس عرضوا علي، وعليهم قمص: منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر، وعليه قميص اجتره » قالوا فما أولته يا رسول الله؟ قال: « الدين » رواه الشيخان.

[44] وعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله ﷺ: « يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك الشيطان فجا غير فجك » رواه البخاري.

[45] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. رواه البخاري.

[46] وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: « اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب » فكان أحبهما إليه عمر. رواه الترمذي، وقال حسن صحيح.

[47] وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: « إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه » وقال ابن عمر: وما نزل بالناس أمر قط، فقالوا وقال إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر. رواه الترمذي وقال حسن صحيح.

[48] وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب » رواه الترمذي وحسنه.

[49] وعن عائشة رضي الله عنها قال: قال رسول الله ﷺ: « إني لأنظر إلى شياطين الإنس والجن قد فروا من عمر » ( قالت فرجفت ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح.

[50] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أسلم عمر نزل جبريل فقال يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر. رواه ابن ماجة.

[51] وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « أول من يصافحه الحق عمر، وأول من يسلم عليه » رواه ابن ماجة.

[52] وعن أبي ذر رضي الله عنه سمعت رسول الله ﷺ يقول: « إن الله وضع الحق على لسان عمر، يقول به ».

[53] وعن علي رضي الله عنه قال: كنا أصحاب محمد لا نشك أن السكينة تنطق على لسان عمر. رواه مسدد وابن منيع في مسنديهما.

[54] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أسلم عمر قال المشركون: لقد انتصف القوم اليوم منا، وأنزل الله تعالى { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } رواه البزار.

[55] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: « عمر سراج أهل الجنة » رواه البزار.

[56] وعن قدامة بن مظعون عن عمه عثمان بن مظعون قال: قال رسول الله ﷺ: « هذا غلق الفتنة، وأشار بيده إلى عمر لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين أظهركم » رواه البزار.

[57] وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنهما قالت: دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر وهو يشتكي في مرضه فقال له: أتستخلف علينا عمر، وقد عتى علينا، ولا سلطان له، فكيف لو ملكنا كان أعتى وأعتى، فكيف تقول لله إذا لقيته؟! فقال أبو بكر: أجلسوني، فأجلسوه. فقال إن لله تعرفوني، فأنا أقول إذا لقيته: استخلفت عليهم خير أهلك. رواه إسحاق بن راهويه في مسنده.

والأحاديث في فضلهما تحتمل مجلدات، وهذه نبذة منها.

[58] وقد روى الترمذي عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال: ما أظن رجلا ينتقص أبا بكر وعمر يحب النبي رسول الله ﷺ.
الفصل الثاني: في بيان أن سبهما كبيرة لا خلاف في ذلك بين السلف والخلف، ونقل ( قول ) من عد ذلك في الكبائر تطويل مشهور

[59] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله رسول الله ﷺ: « لا تسبوا أحدا من أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه ».

[60] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: « أكرموا أصحابي، فإنهم خياركم » رواه النسائي.

[61] وعن عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ « إن الله اختارني، واختار أصحابي، وجعل لي منهم وزراء وأنصارا، وأصهارا، فمن سبهم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا » رواه الطبراني في معجمه والحميدي في مسنده بإسناد حسن.

[62] وعن ابن عمر رضي الله عنهما: لا تسبوا أصحاب محمد، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره. رواه ابن ماجة.

[63] وعن عبد الله بن معقل رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ « الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه » رواه الترمذي.

[64] وعن جابر سمعت رسول الله ﷺ يقول: « إن الناس يكثرون، وأصحابي يقلون، فلا تسبوهم، لعن الله من سبهم » رواه أبو يعلى في مسنده.

[65] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ « دعوا لي أصهاري وأصحابي، فإنه من حفظني فيهم كان معه من الله حافظ. ومن لم يحفظني فيهم، تخلى الله عنه، ومن تخلى الله عنه يوشك أن يأخذه » رواه ابن منيع في مسنده.

[66] وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: « يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة، يرفضون الإسلام، ويلفظونه، فاقتلوهم » رواه البزار.

[67] وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ « إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من شتم الأنبياء، ثم أصحابي، ثم المسلمين » وإذا نظرت حد الكبيرة، رأيته منطبقا عليه، فقد نقل الرافعي عن الأكثرين أن الكبيرة تنطبق عليه.

[68] ويشهد له ما رواه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال « كل ذنب ختمه الله بنار، أو غضب، أو لعن، أو عذاب، فهو كبيرة. »

[69] وروى البيهقي في الشعب عنه « كل ما نهى الله عنه كبيرة »

وصحح المتأخر ون: إنها كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين، ورقة الدين »

وممن صحح ذلك ابن السبكي في جمع الجوامع. ثم عد سب الصحابة منها.

وما أجدرها جريمة مؤذنة بالجرأة على الله ورسوله ﷺ، وقلة اكتراث فاعلها بالدين، لظنه الخبيث لعنه الله أن مثل هؤلاء يستحق السب، وهو مبرأ نقي تقي مستأهل للمدح، كلا والله بغية الحجر، بل إذا ظن أنهم يستحقون السب، اعتقدنا أنه يستحق الحرق وزيادة. وإذا عرفت أن سب الشيخين كبيرة بلا خلاف عرفت أن الساب لهما، لا تقبل شهادته، إذ لا يقبل إلا عدل وهو من لم يرتكب كبيرة ، وسنزيد هذا وضوحا.
الفصل الثالث
[حكم سب الشيخين]

اعلم أن ساب الشيخين فيه وجهان لأصحابنا حكاهما القاضي الحسين وغيره.

أحدهما: أنه يكفر، وجزم به المحاملي في اللباب.

الثاني: أنه فاسق، وعليه فتوى الأصحاب، ومن لا يكفر ببدعة.

فحينئذ لا يتخلص حاله عن أحد هذين الأمرين: إما الكفر، وإما الفسق، ولا يُقْبَل متصف بواحد منهما قطعا. وقد جزم بذلك، وأن فتواهم مردودة، وأقوالهم ساقطة ( حكاه النووي ) في أول شرح المهذب، وحكاه في الروضة في باب القضاء عن الخطيب وأقره، وقال به الغزالي والبغوي والرافعي في باب الشهادات.

وإن كان وقع في هذا الباب من زيادات الروضة تعميم قبول المبتدعة، حتى استشكل صاحب المهمات الجمع بينه وبين كلامه في باب القضاء، وشرح المهذب، و وهي الشبهة التيس تمسك بها من قال بالقبول، فلا يشك أن المبتدعة التي قال النووي بقبولهم هم من لا يفسق ببدعته، إذ الكلام فيهم كالشيعي القائل بتفضيل علي، وكمنكر القدر والرؤية ونحوهما ممن لهم تأويل، ويشهد لذلك أمور:

الأول: أنهم عللوه بأن العداوة في الاعتقاد، لا تقدح في العدالة، وقد عرفت أن سب الشيخين كبيرة قادح فيها.

الثاني: ما تقدم له في باب القضاء وفي شرح المهذب. الثالث: أنه قال في الموضعين المذكورين قبل ذكر عدم قبولهم، أن المبتدع الذي لا نكفره ولا نفسقه، فإنه يقبل على الصحيح. ثم عقبه بساب الصحابة والسلف، فإنه مردود، فعلم أن ما ذكره في باب الشهادات محمول على ما ذكره هنا، وإنما أطلق هنا حملا عليه. ولما علم من قاعدة الباب أن الفاسق يقبل، فالساب مردود، لوصف الفسق، لا لخصوص وصف الابتداع، ومن خيل له الشيطان أن لساب الشيخين تأويلا يخرجه عن الفسق، فلا أدري ما أقول له كيف؟.

[70] وقد قال رسول الله ﷺ: « سباب المسلم فسوق » رواه مسلم.

فإذا كان هذا في آحاد المسلمين، فما ظنك بأفضل الأمة، وأكرم الخليقة.

وفي الكفاية لابن الرفعة، قال الماوردي: يشترط لقبول شهادة أهل الأهواء بعد الإسلام ستة شروط: كون التأويل سابقا، كتأويل البغاة، وإلا فهم فسقة.
أن لا يدفعه إجماع.
أن لا يعصي به، كالقدح في الصحابة رضوان الله عليهم، وهم الذين كانوا معه ﷺ حضرا وسفرا أو تابعوه في الدين والدنيا، أو وثق بسرائرهم، أو أفضى بأوامره و نواهيه إليهم دون من قدم من الوفود، وقاتل معه الأعراب، ثم القدح إن كان سبا ففاسق يعزر، أو بنسبة لفسق و ضلال وهو من العشرة، أو من أهل بيعة الرضوان، أو من لم يدخل في قتال صفين والجمل ن فكان ذلك قطعا، أو ممن دخل فيهما، فكذلك على الأصح.
أن لا يقاتل عليا ولا ينابذ فيه أهل العدل.
أن لا يرى تصديق موافقيه على مخالفيه.
أن يكون ظاهر التحفظ كغيره من أهل الحق، انتهى.

وليس في الرافضة شرط من هذه الشروط الستة، فضلا عن اجتماعهم فيهم.

وقال أئمة الحديث وآخرهم الذهبي في الميزان: البدعة على ضربين: صغرى: كالتشيع، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم، مع الدين والورع والصدق، فلا يرد حديثهم. وكبرى كالرفض و الحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة.

قال: وأيضا فلا أستحضر في هذا النوع رجلا صادقا ولا مأمونا بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم. انتهى.

فإذا كان هذا في باب الرواية مع أنها أوسع من الشهادة بلا خلاف، ولهذا اشترط في الشهادة: الحرية، والعدد، والذكورية في بعض المواضع دونها، فما ظنك بما هو أعظم حالا وأضيق مجالا.

وقال القاضي عياض في الشفا: سب الصحابة وتنقيصهم حرام ملعون فاعله، قال: وقال مالك: من قال: إن أحدا منهم على ضلال قتل، ومن شتمهم بغير هذا نكل نكالا شديدا، وعن مالك أيضا قال: من سبهم فلا حق له في الفيء.

[71] وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أراد قطع لسان رجل شتم المقداد بن الأسود، فكلم في ذلك فقال: دعوني أقطع لسانه حتى لا يشتم بعده أحد من أصحاب النبي ﷺ. قال: وأفتى أبو المطرف الشعبي في رجل أنكر تحليف امرأة بالليل وقال: لو كانت بنت أبي بكر الصديق ما حلفت إلا بالنهار، وصوّب قوله بعض المتسمين بالفقه، فقال أبو المطرف: قوله هذا لابنة أبي بكر موجب عليه الضرب الشديد والحبس الطويل، والفقيه الذي صوب قوله أحق باسم الفسق من اسم الفقه، فيتقدم إليه في ذلك، ويزجر ولا تقبل فتواه ولا شهادته، وهي جرحه تامة فيه، ويبغض في الله، انتهى.

فإذا كان فيمن لم يسب ولم يعرض بل أقر على قول من عرض فما ظنك بمن عرض أو صرح [بسب]، والغرض بهذا كله تقرير أنه فاسق مرتكب لعظيم من الكبائر، لا مخلص له إلى العدالة بسبيل، ومن كان بهذه الصفة، لا تقبل شهادته قطعا، ثم من تخيل أنه لقبول ساب الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وجها وتأويلا، فليعلم أن هذا وإن كان فاسدا، فالشيخان خارجان من ذلك، إذ تأويلهم إنما هو فيمن خامر الفتن ولابس قتل عثمان، أو قاتل عليا، والشيخان مبرآن من ذلك قطعا، ولهذا أجري الخلاف في تكفير سابهما وساب عثمان وعلي دون غيرهما من الصحابة، وإن كان تأويلهم بذلك باطلا مردودا عليهم، ولسنا بصدد إقامة الحجة على ذلك، بل القصد ما بيناه، وفيه كفاية لمن رزق وأوتي دينا وتوفيقا يحجزه عن الوقوع في المهاوي، نسأل الله التوفيق بمنه وكرمه وجوده.

ثم رأيت الشيخ تقي الدين السبكي صنف كتابا سماه: غيرة الإيمان الجلي لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، بسبب رافضي وقف في الملأ وسب الشيخين وعثمان وجماعة من الصحابة، فاستتيب، فلم يتب، فحكم المالكي بقتله وصوَّبه السبكي فيما فعل، وألف في تصويبه الكتاب المذكور، وضمنه نفائس بديعات، ومآخذ جليلة واستنباطات، وذكر فيه ما يتعلق بمسألتنا هذه، فقال ما ملخصه: ذكر القاضي حسين من أصحابنا وجهين فيمن سب الشيخين أو الختنين:

أحدهما: يكفر، لأن الأمة أجمعت على إمامتهم.

والثاني: يفسق، ولا يكفر.

ثم نقل عن الحنفية نقولا كثيرة بعضها بالتكفير، وبعضها بالتضليل ثم مال السبكي إلى تصحيح التكفير لمآخذ ذكرها.

ثم نقل عن المالكية والحنابلة نقولا كذلك ثم قال: وسئل محمد بن يوسف الفريابي عن من شتم أبا بكر فقال: كافر فقيل يصلى عليه. قال: لا. قال وممن كفر الرافضة أحمد بن يوسف وأبو بكر بن هانئ، وقالا: لا تؤكل ذبائحهم، لأنهم مرتدون، وكذا قال عبد الله بن إدريس الكوفي أحد أئمة الكوفة: ليس للرافضي شفعة، لأنه لا شفعة إلا لمسلم.

وقال أحمد: شتم عثمان زندقة، ثم قال: وأجمع القائلون بعدم تكفير من سب الصحابة أنهم فساق، وممن قال بوجوب القتل على من سب أبابكر وعمر: عبد الرحمن بن أبزى الصحابي.

ثم نقل الاتفاق على أن من استحل سب الصحابة فهو كافر، لأن أدنى مراتبه أنه مجرم فاسق، واستحلال الحرام والفسق كفر، ثم قال: فإن قلت: فإنما يكون استحلال الحرام كفرا إذا كان تحريمه معلوما من الدين بالضرورة، قلت وتحريم ساب الصحابة معلوم من الدين بالضرورة.

ثم أطال في تقريره، ثم أورد على نفسه، حيث اختار تكفير ساب الشيخين أو الختنين، وإن لم يستحل. فقال، فغن قلت فقد جزم القاضي حسين في كتاب الشهادات بفسق ساب الصحابة، ولم يحك فيه خلافا، وكذلك ابن الصباغ في الشامل وغيره، وحكوه عن الشافعي فيكون ذلك ترجي، لعدم الكفر.

قلت: لا، هما مسألتان:

الأولى: المذكورة في باب الشهادات في السب لمطلق الصحابة.

الثانية: المذكورة في باب الإمامة في سب الشيخين أو الختنين وهي محل الوجهين في الكفر والفسق.

قال: ولا مانع من أن يكون سب مطلق الصحابة موجبا للفسق، وسب هؤلاء الأربعة المخصوصين مختلفا في كونه موجبا للكفر أو الفسق، ثم قال في آخر كلامه: فنخلص أن سب أبي بكر على مذهب أبي حنيفة، وأحد الوجهين عند الشافعية كفر. وفي تخريج عند مالك، وعند أحمد: زندقة. انتهى.

فرع: قال في الروضة في الوصية: لو أوصى لأجهل الناس؟ حكى الروياني أنه يصرف إلى عبدة الأوثان، فإن قال من المسلمين فإلى من يسب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

كتب اسلامية مكتبة مشكاة

الإقتصاد والأعمال الاخلاق والعرفان الادب والخيال الاسرة والطفل التاريخ والجغرافيا التربية والتعليم السيرة والمذكرات الشرع والقانون الصحافة و...